بما مرّ من عتابه له ، وكأنّه اشتدّ به الخوف فطرق على الحجّاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك لكي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام! إذ كان يروى عن النبي صلىاللهعليهوآله قوله : «من مات ولا إمام له مات ميتة جاهليّة»! فبلغ من احتقار الحجّاج له واسترذال الحال به أن أخرج له رجله من فراشه وقال له : اصفق بيدك عليها! ففعل (١)!
ومع ذلك لم يتحمّله الحجّاج فدسّ إليه رجلا سمّ زجّ رمحه وزاحمه في طريقه فطعنه بظهر قدمه ، ثمّ عاده الحجّاج فقال له : يا أبا عبد الرحمان من أصابك؟ قال : ولم تقول هذا رحمك الله! قال : لأنّك حملت السلاح في بلد لم يكن يحمل السلاح فيه! ثمّ مات ابن عمر فدفن في حائط حرماز (٢) عند ردم بني جمح.
وقد مرّ أنّ ابن الزبير كان قد نفى ابن الحنفيّة إلى جبال رضوى بين مكّة والطائف ، وقد آن الأوان للعود إلى مكّة ، ولكنّه كان يخاف الحجّاج فكتب بذلك إلى ابن مروان : أنّ الحجّاج قد قدم بلدنا وقد خفته! فاحبّ أن لا تجعل له عليّ سلطانا بيد ولا لسان!
فكتب عبد الملك إلى الحجّاج : أنّ محمد بن علي كتب إليّ يستعفيني منك ، وقد أخرجته من يدك فلم أجعل لك عليه سلطانا بيد ولا لسان فلا تتعرّض له!
فأمن بذلك ابن الحنفية من الحجّاج فنزل إلى مكّة مع الحجّاج في الطواف فلقيه الحجّاج فعضّ على شفته ثمّ قال له : لم يأذن لي فيك أمير المؤمنين! فقال له محمد : ويحك أما علمت أنّ لله تبارك وتعالى في كل يوم وليلة ثلاثمئة وستين لحظة (أو : نظرة) فلعلّه ينظر إليّ بنظرة فيرحمني فلا يجعل لك عليّ سلطانا بيد ولا لسان!
__________________
(١) شرح النهج للمعتزلي ١٣ : ٢٤٢ عن الإسكافي في رسالته في نقض عثمانية الجاحظ.
(٢) المعارف لابن قتيبة : ١٨٥.