فاردعه عن قبيح ما دخل فيه ، وعظيم ما أصرّ عليه ، وحرمة ما انتهك عدوّ الله من حقّ الله! إلى ما في ذلك من سفك الدماء وإباحة الحريم وإنفاق الأموال ، ولو لا معرفتي بأنّك قد حويت علما وأصبت فقها ... فخرج سعيد متوجّها إليه.
فلمّا قرأ عبد الرحمن الكتاب أو سمع به ارتعش هيبة له وجزعا منه وتبيّنت رعشته! وكتم الكتاب وجعل يستخلي بابن جبير فيسمر معه ليلا ويسأله الدخول معه فيما رأى من خلع الحجاج ، ومكث بذلك شهرا وسعيد يأبى ذلك عليه ، ثمّ أجابه إليه (١).
ودعا أبا عمر ذرّ بن ذرّ الهمداني القاصّ ، فكساه ووصله وأمره أن يحضّض الناس على الحجّاج ، فكان كلّ يوم يقصّ للناس فينال من الحجّاج وذلك في سنة إحدى وثمانين (٢).
وكتب إلى رتبيل ملك الهند أن يصالحه فيقف عنه أو يلجأ إليه إن شاء ، وكتب كتابا بينهم على ذلك. واستخلف رجلا من قبله على سجستان وخرج منها (٣) وكتب إلى المهلّب بن أبي صفرة وهو يحاصر بلدي كش ونسف من بلاد خراسان الكبرى في سنة (٨١) ، يدعوه إلى خلع الحجاج ، فانصرف عنهم المهلّب (٤).
وسار عبد الرحمن راجعا لإخراج الحجّاج من العراق ومسألة عبد الملك إبدالهم به ، ولكنّه لما عظمت جموعه ولحق به كثير من أهل العراق ورؤسائهم ونسّاكهم عند قربه منها خلع عبد الملك في اصطخر فارس ، وسمّى نفسه «ناصر المؤمنين».
__________________
(١) الإمامة والسياسة ٢ : ٤٠.
(٢) تاريخ خليفة : ١٧٦.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٧٨.
(٤) تاريخ خليفة : ١٧٥.