فقال له سرجون : أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه؟ قال : نعم ، فقال له : فإنّ معاوية قد أمر بكتاب عهد لعبيد الله على الكوفة فهو رأيه ، وأخرج له العهد وقال : هذا رأي معاوية ومات عليه.
وكانت قبيلة باهلة البصرة عثمانية أموية وكان منهم مسلم بن عمرو الباهلي عند يزيد ، فدعا به وكتب إلى ابن زياد : أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ «شيعتي» من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسر ـ حين تقرأ كتابي هذا ـ حتى تأتي أهل الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه (تظفر به) فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام.
ثمّ سلّم الكتاب والعهد إلى الباهليّ وأرسله إليه ، فأقبل حتى قدم على ابن زياد بالبصرة ، فلمّا قرأ الكتاب والعهد أمر جهازه بالتهيّؤ للمسير إلى الكوفة فورا (١) ، وجاءه المنذر برسول الإمام فقتله وخطب فقال : أمّا بعد ؛ فو الله ما تقرن بي الصعبة (٢) ولا يقعقع لي بالشّنان (٣) وإنّي لنكل لمن عاداني وسمّ لمن حاربني «أنصف القارّة من راماها» (٤).
يا أهل البصرة ؛ إنّ أمير المؤمنين (يزيد) ولّاني الكوفة وأنا غاد إليها الغداة ، وقد استخلفت عليكم (أخي) عثمان بن زياد بن أبي سفيان! فإياكم
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٥٦ عن الكلبي عن عوانة ، وفي الإرشاد ٢ : ٤٢ عن الكلبي.
(٢) الصعبة : الناقة الصعبة القياد ، كأنّه يقول : أنا راكب مركب الإمرة فلا أدعها تكون صعبة.
(٣) القعقعة : الصوت ، والشّنان جمع الشن : القربة الجافة يجعل فيها حصى وتحرّك.
(٤) شطر من شعر جرى مثلا تمامه :
إنّا إذا ما فئة نلقاها |
|
نردّ اولاها على اخراها |
قاله رجل من قبيلة تدعى القارّة ، وراما من راماه فشكّ فؤاده فمات! فكأنّ ابن زياد يقول : من يرامينا نحن بني أميّة فنحن كالرجل القارّي القاتل برميته!