في هذه الأثناء وبعد ردّ ابن زياد لقبيلة مراد مع ابن الحجّاج الزبيدي ، خشي أن يثب ويثور عليه الناس ، فجمع إليه بعض أشرافهم مع حشمه وشرطه وخرج بهم إلى المسجد الجامع ، ولعلّه قبيل المغرب للصلاة ، وقبلها صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، أيّها الناس ؛ فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ، ولا تختلفوا ولا تفرّقوا ، فتهلكوا وتذلّوا ، وتقتلوا وتجفوا وتحرموا (من العطاء) ثمّ تمثل بالمثل : إنّ أخاك من صدقك! وقد أعذر من أنذر.
قال ابن خازم الأزدي : فناديت بشعار الأنصار : يا منصور أمت! فتنادى الرجال حول دار هانئ واجتمعوا إلى مسلم ، فعقد لعبيد الله بن عمرو الكندي على ربع كندة وربيعة في الخيل مقدّمة له ، ثمّ عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع أسد ومعهم مذحج (دون مراد) في الرجال ، وعقد لأبي ثمامة الصيداوي الهمداني على ربع همدان ومعهم تميم ، وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع أهل المدينة في الكوفة ، وأقبل يسير مسلم في بني مراد.
هذا وابن زياد على المنبر في المسجد الجامع ما نزل عن المنبر حتّى دخلت النظّارة المسجد من قبل سوق التمّارين يشتدّون وينادون : قد جاء ابن عقيل! قد جاء ابن عقيل! فنزل ابن زياد مسرعا إلى القصر فدخله وأغلق أبوابه وتحصّن فيه! وأقبل مسلم يسير في بني مراد حتّى أحاط بالقصر (١).
ونفيد من خبر ركوب هانئ ومن معه إلى القصر ، وركوب رسول مسلم إليه ذهابا وإيابا ، وملأ مسلم الدور حول دار هانئ بأربعة آلاف رجل ممّن بايعه وتسلّح له ، يعرف عرفا أنّ دار هانئ ودور مذحج ومراد لم تكن قرب القصر ، بل كانت بعيدة عنه إجمالا ، وبلا تفصيل في ذلك.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٣٦٨ و ٣٦٩ عن أبي مخنف ، والإرشاد ٢ : ٥١ ـ ٥٢.