وقال الجبائيّ : هذا الملك مختص بملوك العدل ، فأما ملوك الظلم ، فلا يجوز أن يكون ملكهم بإيتاء الله ـ تعالى ـ وكيف يصح أن يكون بايتاء الله ـ تعالى ـ وقد ألزمهم أن لا يمتلكوه ، ومنعهم من ذلك ، فقد صح ـ بما ذكرناه ـ أن الملوك العادلين هم المخصوصون بأن الله ـ تعالى ـ آتاهم ذلك الملك ، وأما الظالمون فلا ، قالوا : ونظير هذا ما قلنا في الرزق أنه لا يكون من الحرام الذي زجر الله ـ تعالى ـ عنه ، وأمره بأن يرده على مالكه ، فكذا ههنا.
قالوا : وأما النزع ، فإنه بخلاف ذلك ؛ لأنه ـ كما ينزع الملك من الملوك العادلين ؛ لمصلحة تقتضي ذلك ـ قد ينزع الملك عن الملوك الظالمين ، ونزع الملك يكون بوجوه : منها : بالموت ، وإزالة العقل ، وإزالة القوى ، والقدرة ، والحواس.
ومنها : بورود الهلاك ، والتلف على الأموال.
ومنها : أن يأمر الله ـ تعالى ـ المحقّ بأن يسلب الملك الذي في يد المتغلب المبطل ، ويؤتيه القوة ، والنّصرة عليه ، فيقهره ، ويسلب ملكه ، فيجوز أن يضاف هذا السلب ، والنزع إلى الله ـ تعالى ـ لأنه واقع عن أمره ، كما نزع الله ـ تعالى ـ ملك فارس ، على يد الرسول ـ عليهالسلام.
فالجواب : أن تقول : حصول الملك للظالم إما أن يكون حصل لا عن فاعل ، وذلك يقتضي نفي الصانع ، وإما أن يكون حصل بفعل المتغلّب ، وذلك باطل ؛ لأن كل أحد يريد تحصيل الملك والدولة لنفسه ، ولا يتيسر له ألبتة ، فلم يبق إلا أن يقال : بأن ملك الظالمين إنما حصل بإيتاء الله تعالى ـ وهذا أمر ظاهر ؛ فإن الرجل قد يكون مهابا ، والقلوب تميل إليه ، والنصر قريب له ، والظفر جليس معه ، وأينما توجه حصل مقصوده ، وقد يكون على الضد من ذلك ، ومن تأمل في كيفية أحوال الملوك اضطر إلى العلم بأن ذلك ليس إلا بتقدير الله.
ولذلك قال بعض الشعراء : [الكامل]
١٣٨٨ ـ لو كان بالحيل الغنى لوجدتني |
|
بأجلّ أسباب السّماء تعلّقي |
لكنّ من رزق الحجا حرم الغنى |
|
ضدّان مفترقان أيّ تفرّق |
ومن الدّليل على القضاء وكونه |
|
بؤس اللّبيب وطيب عيش الأحمق (١) |
وقيل : قوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) محمول على جميع أنواع الملك ، فيدخل فيه ملك النبوة ، وملك العلم ، وملك العقل والأخلاق الحسنة ، وملك البقاء
__________________
(١) الأبيات للإمام الشافعي وهي في ديوانه ص ٥٨ وغرائب القرآن ٣ / ١٦٣ وما بعدها ومفاتيح الغيب ٨ / ٧ وشذرات الذهب ٢ / ١١.