وقيل : خصّ الخير ؛ لأنّه في موضع دعاء ، ورغبة في فضله.
وقيل : هذا من آداب القرآن ؛ حيث لم يصرّح إلّا بما هو محبوب لخلقه ، ومثله : «والشر ليس إليك» ، وقوله تعالى : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء : ٨٠].
فصل
الألف واللام في «الخير» يوجبان العموم ، والمعنى : [أنّ الخيرات تحصل](١) بقدرتك ، فقوله : «بيدك» لا بيد غيرك ، كقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] ، أي : لكم دينكم لا لغيركم ، وذلك الحصر مناف لحصول الخير بيد غيره فثبت دلالة الآية على أنّ الجميع منه بخلقه وتكوينه ، وإيجاده وفضله ، وأفضل الخيرات هو الإيمان بالله ، فوجب أن يكون الخير من تخليق الله لا من تخليق العبد ، وهذا استدلال ظاهر.
وزاد بعضهم فقال : كلّ فاعلين فعل أحدهما أفضل من فعل الآخر ، كان ذلك الفاعل أشرف وأكمل من الآخر ، ولا شكّ أنّ الإيمان أفضل من الخير ، ومن كلّ ما سوى الإيمان ، فلو كان الإيمان بخلق العبد ـ لا بخلق الله تعالى ـ لوجب كون العبد زائدا في الخيرية على الله ـ تعالى ـ وذلك كفر قبيح ، فدلت الآية ـ من هذين الوجهين ـ على أنّ الإيمان بخلق الله تعالى.
فإن قيل : هذه الآية حجّة عليكم من وجه آخر ؛ لأنه لما قال : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) كان معناه : ليس بيدك إلا الخير ، وهذا يقتضي أن لا يكون الكفر والمعصية بيده.
فالجواب : أن قوله : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) يفيد أن بيدك الخير ـ لا بيد غيرك ـ فهذا ينافي أن يكون الخير بيد غيره ، لكن لا ينافي أن يكون بيده الخير ، وبيده ما سوى الخير ، إلا أنه خصّ الخير بالذكر ؛ لأنه الأمر المنتفع به ، فوقع التنصيص عليه لهذا المعنى.
قال القاضي : «كل خير حصل من جهة العباد فلو لا أنه ـ تعالى ـ أقدرهم عليه ، وهداهم إليه ، لما تمكنوا منه ، فلهذا السبب كان مضافا إلى الله تعالى».
قال ابن الخطيب : «وهذا ضعيف ؛ لأن بعض الخير يصير مضافا إلى الله ـ تعالى ـ ويصير أشرف الخيرات مضافا إلى العبد ، وهذا خلاف النص».
وقوله : (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كالتأكيد لما تقدم من كونه مالكا لإيتاء الملك ونزعه ، والإعزار ، والإذلال.
قوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) يقال : ولج ، يلج ، ولوجا ، ولجة ـ كعدة ـ وولجا ـ ك «وعدا» ، واتّلج ، يتّلج ، اتّلاجا ، والأصل : اوتلج ، يوتلج ، اوتلاجا ، فقلبت الواو تاء قبل تاء الافتعال ، نحو : اتّعد يتّعد اتّعادا.
__________________
(١) في أ : بقدرتك كل الخيرات.