قال الشاعر : [الطويل]
١٣٩٠ ـ فإنّ القوافي يتّلجن موالجا |
|
تضايق عنها أن تولّجها الإبر (١) |
الولوج : الدخول ، والإيلاج : الإدخال ـ ومعنى الآية على ذلك.
وقول من قال : معناه النقص فإنما أراد اللازم ؛ لأنه ـ تبارك وتعالى ـ إذا أدخل من هذا في هذا فقد نقص المأخوذ منه المدخل في ذلك الآخر. وزعم بعضهم أن تولج بمعنى ترفع ، وأن «في» بمعنى «على» وليس بشيء.
وقيل : المعنى : أنه ـ تعالى ـ يأتي بالليل عقيب النهار ـ ، فيلبس الدنيا ظلمته ـ بعد أن كان فيها ضوء النهار ـ ثم يأتي بالنهار عقيب الليل ، فيلبس الدنيا ضوءه ، فكأن المراد من إيلاج أحدهما في الآخر إيجاد كل واحد منهما عقيب الآخر.
قال ابن الخطيب : «والقول بأن معناه النقص أقرب إلى اللفظ ؛ لأنه إذا كان النهار طويلا ، فجعل ما نقص منه زيادة في الليل ، كان ما نقص منه زيادة في الآخر».
قوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) اختلف القراء في لفظة «الميّت» فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (٢) لفظ «الميت» من غير تاء تأنيث ـ مخفّفا ، في جميع القرآن ، سواء وصف به الحيوان نحو : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) [آل عمران : ٢٧] أو الجماد نحو : (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) [فاطر : ٩] ـ منكّرا أو معرفا كما تقدم ذكره ـ إلا قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣] ، وقوله : (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) [إبراهيم: ١٧] ـ في إبراهيم ـ مما لم يمت بعد ، فإن الكل ثقلوه ، وكذلك لفظ «الميتة» في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) [يس : ٣٣] دون الميتة المذكورة مع الدم ـ فإن تلك لم يشدّدها إلا بعض قرّاء الشواذ ـ وكذلك قوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) [الأنعام : ١٢٢] ، وقوله : (فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) [الزخرف : ١١] ، وقوله : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) [الأنعام : ١٣٩] فإنها مخفّفات عند الجميع ، وثقّل نافع جميع ذلك ، والأخوان وحفص ـ عن نافع ـ وافقوا ابن كثير ومن معه في الأنعام في قوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [الأنعام : ١٢٢] ، وفي الحجرات: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) [الحجرات : ١٢] ، وفي يس : (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) [يس : ٣٣] ، ووافقوا نافعا فيما عدا ذلك ، فجمعوا بين اللغتين ؛ إيذانا بأن كلّا من القراءتين صحيح ، وهما بمعنى ؛ لأن «فيعل» يجوز تخفيفه في المعتل بحذف إحدى ياءيه ، فيقال : هين وهيّن ، لين وليّن ، ميت وميّت ، وقد جمع
__________________
(١) البيت لطرفة بن العبد ينظر في ديوانه ص ٤٤٧ وسر صناعة الإعراب ص ١٤٧ ، والخصائص ١ / ١٤١ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٩٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨١ ، والممتع في التصريف ١ / ٣٨٦ وأوضح المسالك ٤ / ٣٩٧ ، وشرح المفصل ١ / ٣٧ ، ولسان العرب (ولج) والدر المصون ٢ / ٥٦.
(٢) انظر : السبعة ٢٠٣ ، والكشف ١ / ٣٣٩ ، والحجة ٣ / ٢٥ ـ ٢٦ ، وحجة القراءات ١٥٩ ، والعنوان ٧٨ ، وإعراب القراءات ١٠٩ ، ١١٠ وشرح الطيبة ٤ / ١٥١ ، وشرح شعلة ٣١٠ ، وإتحاف ١ / ٤٧٣.