الخامس : [لو كان القرآن محكما بالكلية لما كان مطابقا إلا لمذهب واحد ، وكان تصريحه مبطلا لكل ما سوى ذلك المذهب ، وذلك مما ينفّر أرباب المذاهب عن قبوله ، وعن النظر فيه ، فالانتفاع به إنما حصل لما كان مشتملا على المحكم والمتشابه ، فحينئذ يطمع صاحب كلّ مذهب أن يجد فيه ما يقوي له حكمه ويؤثر مقالته ، فحينئذ ينظر فيه جميع أرباب المذاهب ، ويجتهد في التأمل فيه كلّ صاحب مذهب ، فإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات ، فبهذا الطريق يتخلص المبطل عن باطله ، ويصل إلى الحق ، والله أعلم](١).
قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) يجوز أن يرتفع «زيغ» بالفاعلية ؛ لأن (٢) الجار قبله صلة لموصول ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، وخبره الجار قبله.
قوله «الزيغ» قيل : الميل [مطلقا](٣) ، وقال بعضهم : هو أخصّ من مطلق الميل ؛ فإن الزيع لا يقال إلا لما كان من حق إلى باطل.
قال الراغب (٤) : «الزيغ : الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين ، وزاغ وزال ومال متقارب ، لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان من حق إلى باطل» انتهى. يقال : زاغ يزيغ زيغا ، وزيغوغة وزيغانا ، وزيوغا.
قال الفراء : والعرب (٥) تقول في عامة ذوات الياء ـ فيما يشبه زغت ـ مثل : سرت ، وصرت ، وطرت : سيرورة ، وصيرورة ، وطيرورة ، وحدت حيدودة ، وملت ميلولة .. لا أحصي ذلك ، فأما ذوات الواو مثل قلت ، ورضت ، فإنهم لم يقولوا ذلك إلا في أربعة ألفاظ : الكينونة والدّيمومة ـ من دام والهيعوعة ـ من الهواع ، والسّيدودة ـ من سدت ـ ، ثم ذكر كلاما كثيرا غير متعلق بما نحن فيه. وقد تقدم الكلام على هذا المصدر ، وأنه قد سمع في هذا المصدر الأصل ـ وهو كينونة ـ في قول الشاعر : [الرجز]
١٣٢٥ ـ يا ليتنا قد ضمّنا سفينه |
|
حتّى يعود الوصل (٦) كيّنونه (٧) |
قوله : (ما تَشابَهَ) مفعول الاتباع ، وهي موصولة ، أو موصوفة ، ولا تكون مصدرية ؛ لعود الضمير من «تشابه» عليها ، إلا على رأى ضعيف ، و «منه» حال من فاعل «تشابه» أي تشابه حال كونه بعضه.
قوله : «ابتغاء» منصوب على المفعول له ، أي : لأجل الابتغاء ، وهو مصدر مضاف لمفعوله. والتأويل : مصدر أوّل يؤوّل ، وفي اشتقاقه قولان :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : لأجل.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : المفردات ٢١٧.
(٥) في ب : والعامة.
(٦) في أ : النحو.
(٧) تقدم برقم ٨٨٧.