١٠٣] وقوله : (وَلا تَنازَعُوا) [الأنفال : ٤٦].
__________________
ـ في الكتاب أو السنة ، فهو إذا إقدام على ما لم يأذن الله ورسوله فيكون تقديما بين يدي الله ورسوله ، وقد نهى الله عزوجل عن ذلك فيكون حراما.
«ويناقش هذا» بأنا لا نسلم أن الإذن بالشيء يختص بالنص عليه في الكتاب أو السنة فإن الإذن كما يكون بالنص على الشيء نفسه يكون بالنص على ما يستلزمه ، وقد نصّ في الكتاب والسنة على ما يستلزم الأحكام القياسية كما تقدم فالعمل بها عمل بما أذن الله ورسوله فيه فليس تقديما بين يدي الله ورسوله.
ب ـ وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) «وجه الاستدلال بها» أن الله عزوجل نهى عن سؤال الصحابة النبي صلىاللهعليهوسلم عن أشياء مما لم ينص على حكمها في الكتاب أو السنة خشية أن ينزل فيها إيجاب أو تحريم فيشق عليهم ، ولا شك أن القياس يبدي أحكاما لا نص عليها في الكتاب أو السنة وقد تكون من قبيل الإيجاب أو التحريم فتشق فيكون القياس منهيا عنه كالسؤال فيكون حراما.
هذا وجه. وهناك وجه آخر وهو أن الله عزوجل بين أن ما لا نص فيه قد عفا عنه فلم يحكم فيه بحكم أصلا وهذا يدل على بطلان القياس إذ لو صح لاقتضى أن يكون لكل مسكوت حكم لأنه ما من مسكوت إلا وفيه وصف من الأوصاف يمكن اشتراكه فيه مع منطوقه فيثبت حكمه له فلا يبقى شيء من الأشياء عفوا مع أن الله عزوجل بيّن أن ما لم ينص عليه فهو عفو.
«ويناقش كل من الوجهين» بأن النهي إنما هو عن السؤال عن الأمور التي لم تبد ، والإبداء الإظهار باللفظ الدال على الشيء وضعا أو التزاما ولا شك أن الأحكام المأخوذة من القياس قد استلزمتها العلة التي استلزمها النص على حكم الأصل ، وأيضا قد استلزمتها النصوص الدالة على حجية القياس فهي إذا مما أبداه الله عزوجل ، والذي لم يبد هو ما لم يظهر أصلا بأن لم ينص عليه ولم يوصل القياس فيه إلى حكم معين كتكرار الحج فإنه لا يعلم بالنص ولا بالقياس سوى أنه مطلوب ، وهو يحتمل الوجوب والندب فلا يسأل عنه لئلا ينزل إيجابه فيشق على المؤمنين وكالنسب فإن انتساب شخص ما إلى أبيه حقيقة لا يعلم بنص ولا قياس فلا يسأل عنه لئلا يكون الجواب بأنه ابن شخص آخر فيشق ذلك على السائل وعلى أم المسؤول عن نسبه للفضيحة التي تلحقهما ، وكالآيات الخارقة للعادة فإنه لا يجوز السؤال عنها لئلا تحدث فيشك فيها قوم فيعاقبوا العقاب العاجل كما سأل قوم صالح النّاقة وأصحاب عيسى المائدة ثم كفروا بهما ولذلك قال الله تعالى : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ).
وبهذا يعلم أن كلّا من الوجهين المذكورين في الاستدلال فيه نظر «أمّا الأول» فلأنهم قاسوا القياس على السؤال في التحريم بجامع أن كلّا منهما قد يترتب عليه حكم شاق وهذا قياس غير صحيح لأن القياس إنما يترتب عليه حكم قد أبداه الله بالنص على ما يستلزمه والسؤال يترتب عليه حكم لم يكن أبداه الله أصلا فافترقا ، ولأنه يستلزم بطلان نفسه لأنه قياس يترتب عليه بطلان القياس فيكون هو باطلا لأنه فرد من أفراد القياس.
«وأمّا الثاني» فلأن المسؤول عنه قد يكون حكما لم يعلم بالنص ولا بالقياس تعيينه كتكرار الحج ، وقد يكون أمرا آخر كالنسب وكالآيات الخارقة للعادة وهذا لا مجال للقياس فيه ، فالقول بالقياس لا يترتب عليه إسقاط العفو كما زعموا.
«فإن قيل» قد اشتهر بين الأصوليين أن القياس مظهر للحكم وهذا يقتضي أن الحكم الناشىء عنه قد ظهر به لا بالنص فكيف تقول إنه مما أبداه الله؟ ـ