الجواب بأن هذا العموم مخصوص بالأدلة الدالة على العمل بالقياس.
__________________
ـ «قلنا» القياس مظهر للحكم مباشرة وهذا لا ينافي أن النص مظهر له بواسطة دلالته على حجية القياس فلا تعارض.
«فإن قلت» إن شمول الإبداء للإبداء بالواسطة بعيد والأصل اختصاصه بالإبداء بلا واسطة.
«قلت» لو لا هذا الشمول لتعارضت الآية مع آيات حجية القياس فهذا الشمول لو سلم بعده فلا بد منه لدفع التعارض بينه وبين أدلة حجية القياس.
ج ـ وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
«وجه الاستدلال بها» أنها دلت على فسق من لم يحكم بما أنزل الله ، ولا شك أن الحكم بالقياس ليس حكما بما أنزل الله فيكون فسقا حراما.
«ويناقش هذا» بأن المراد من لم يحكم بمدلول ما أنزل الله ولا شك أن الحكم القياسي مدلول لما أنزل الله لأنه أنزل ما يدل عليه من دلائل حجية القياس وتقدم ذلك في مناقشة القسم الثاني من هذه الأدلة ، فالمقصود من الآية الكريمة هو من حكم بالرأي المحض كالقوانين الوضعية المستحدثة في زماننا هذا أو بالقياس الفاسد كالقياس مع النص المخالف.
د ـ وقال تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ).
«وجه الاستدلال بها» أنها دلت على ذم التحليل والتحريم من غير إذن من الله تعالى بالنص على الحكم وبينت أن ذلك افتراء على الله تعالى ويدخل في ذلك التحليل والتحريم بالقياس إذ لا نص عليهما فيكونان من الافتراء على الله تعالى وهو من أعظم المحرمات.
«ويناقش هذا» بأنا لا نسلم أن الإذن خاص بالنص على الحكم بل يشمل النص عليه والنص على دليله والحكم المأخوذ من القياس مأذون فيه بالنص على دليله من جهتين :
«أولاهما» النص على حجية القياس.
«وثانيتهما» النص على حكم الأصل الذي تستنبط منه العلة ثم يستخرج منها ذلك الحكم أعني حكم الفرع ، فالمقصود من الآية ذم المشركين الذين أحلوا أشياء وحرموا أشياء بآرائهم المحضة وأهوائهم الباطلة ، والقياس الصحيح بمعزل عن ذلك.
ه ـ وقال تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)
«وجه الاستدلال بها» أن القياس تمثيل ما لا نص فيه بما فيه نص ومن مثّل ما لم ينص الله تعالى على إيجابه أو تحريمه بما حرمه أو أوجبه فقد ضرب لله الأمثال وهذا منهي عنه بالآية الكريمة فيكون حراما.
«ويناقش هذا» بأن هذه الآية الكريمة جاءت عقب قول الله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) وهذا يدل على أن المقصود منها النهي عن اتخاذ الأشباه والنظراء لله عزوجل بعبادتهم ، وهذا بعيد عن القياس بمراحل ، وعلى فرض أنه نهي عن التمثيل فإنما هو نهي عن التمثيل الذي ارتكبه عبّاد الأصنام حيث شبهوا الأصنام بالله سبحانه وتعالى فعبدوها وهذا تمثيل فاسد إذ لا جامع فيه لأن وجود العبادة إنما هو بالخلق والرزق فهو مختصّ بالله وحده.
ينظر مباحث للقياس للشيخ علي عبد التواب ، والبرهان لإمام الحرمين ٢ / ٧٤٣ ، البحر المحيط للزركشي ٥ / ٥ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٣ / ١٦٧ ، سلاسل الذهب للزركشي ص ٣٦٤ ، التمهيد للإسنوي ص ٤٦٣ ، نهاية السول له ٤ / ٢ ، زوائد الأصول له ص ٣٧٤ ، منهاج العقول للبدخشي ٣ / ٣ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ص ٢١١ ، التحصيل من المحصول للأرموي ـ