يضركم ، فحذف فلا يضركم الذي هو الجواب ، لدلالة ما تقدم عليه ، ثم أخر ما هو دليل على الجواب ، وهذا تخريج سيبويه وأتباعه ، إنما احتاجوا إلى ارتكاب ذلك ، لما رأوا من عدم الجزم في فعل مضارع لا مانع من إعمال الجزم ، ومثله قول الراجز :
١٥٩٩ ـ يا أقرع بن حابس يا أقرع |
|
إنّك إن يصرع أخوك تصرع (١) |
برفع «تصرع» الأخير ـ.
وكذلك قوله : [البسيط]
١٦٠٠ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة |
|
يقول : لا غائب مالي ولا حرم (٢) |
برفع «يقول» ـ إلّا أن هذا النوع مطّرد ، بخلاف ما قبله ـ أعني : كون فعل الشرط والجزاء مضارعين ـ فإن المنقول عن سيبويه ، وأتباعه وجوب الجزم ، إلا في ضرورة.
كقوله : [الرجز]
١٦٠١ ـ ........... |
|
إنّك إن يصرع أخوك تصرع (٣) |
وتخريجه هذه الآية على ما تقدم عنه يدل على أن ذلك لا يخصّ بالضرورة.
الوجه الثاني : أن الفعل ارتفع لوقوعه بعد فاء مقدّرة ، وهي وما بعدها الجواب في الحقيقة ، والفعل متى وقع بعد الفاء رفع ليس إلّا كقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥].
والتقدير : فلا يضركم ، والفاء حذفت في غير محل النزاع.
كقوله : [البسيط]
١٦٠٢ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان (٤) |
أي : فالله يشكرها ، وهذا الوجه نقله بعضهم عن المبرد ، وفيه نظر ؛ من حيث إنهم ، لما أنشدوا البيت المذكور ، نقلوا عن المبرد أنه لا يجوّز حذف هذه الفاء ـ ألبتة ـ لا ضرورة ، ولا غيرها ـ وينقلون عنه أنه يقول : إنما الرواية في هذا البيت : [البسيط]
١٦٠٣ ـ من يفعل الخير فالرّحمن يشكره
وردوا عليه بأنه إذا صحّت رواية ، فلا يقدح فيها غيرها ، ونقله بعضهم عن الفراء والكسائي ، وهذا أقرب.
الوجه الثالث : أن الحركة حركة إتباع ؛ وذلك أن الأصل : «لا يضرركم». بالفك وسكون الثاني جزما ، وسيأتي أنه إذا التقى مثلان في آخر فعل سكن ثانيهما ـ جزما ، أو وقفا ـ فللعرب فيه مذهبان.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم برقم ١٤٩.