وقد حكى بعض النحاة ـ عن الكوفيين ـ أنهم يجيزون تقديم المعمول على حرف العطف ، فعلى هذا يجوز هذا القول ، وفي كلام الزمخشريّ سهو ؛ فإنه قال (١) : ويجوز أن ينتصب محلّ الكاف ب (لَنْ تُغْنِيَ) أو ب «خالدون» ، [أي : لم تغن عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك ، أو هم فيها خالدون كما يخلّدون](٢).
وليس في لفظ الآية الكريمة «خالدون» ، إنما نظم الآية (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) ، ويبعد أن يقال : أراد «خالدون» مقدّرا ، يدل عليه السياق ، اللهم إلا إن فسرنا الدأب باللّبث والدوام وطول البقاء.
وقال القفّال : «يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى الله تعالى ، والعادة المضافة إلى الكفار ، كأنه قيل : إن عادة هؤلاء الكفار في إيذاء محمد صلىاللهعليهوسلم كعادة من قبلهم في إيذاء رسلهم وعادتنا أيضا في إهلاك الكفار ، كعادتنا في إهلاك أولئك الكفار المتقدمين ، والمقصود ـ على جميع التقديرات ـ نصر النبي صلىاللهعليهوسلم على إيذاء الكفار ، وبشارته بأن الله سينتقم منهم».
الدأب : العادة ، يقال : دأب ، يدأب ، أي : واظب ، ولازم ، ومنه (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) [يوسف : ٤٧] ، أي : مداومة.
وقال امرؤ القيس : [الطويل]
١٣٤٧ ـ كدأبك من أم الحويرث قبلها |
|
وجارتها أمّ الرّباب بمأسل (٣) |
وقال زهير : [الطويل]
١٣٤٨ ـ لأرتحلن بالفجر ثمّ لأدأبن |
|
إلى اللّيل إلّا أن يعرّجني طفل (٤) |
وقال الواحديّ : «الدأب : الاجتهاد والتعب ، يقال : صار فلان يومه كله يدأب فيه ، فهو دائب ، أي : اجتهد في سيره ، هذا أصله في اللغة ، ثم [يصير](٥) الدأب عبارة عن الحال والشأن والأمر والعادة ؛ لاشتمال العمل والجهد على هذا كله».
وكذا قال الزمخشريّ ، قال : «مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه ، فوضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله».
__________________
(١) وعبارة الزمخشري : ويجوز أن ينتصب محل الكاف ب «لَنْ تُغْنِيَ» ، أو ب «الوقود» أي ؛ لن تغني عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك ، أو توقد بهم النار كما توقد بهم ، تقول : إنك لتظلم الناس كدأب أبيك تريد : كظلم أبيك. ينظر الكشاف ١ / ٣٤٠.
(٢) سقط في أ.
(٣) تقدم برقم ٥٩.
(٤) ينظر ديوانه ٨٤ ، واللسان (طفل) ، وأساس البلاغة ص ٣٩٢ ، والتاج ٧ / ٤١٧ ، والدر المصون ٢ / ٢٢.
(٥) سقط في أ.