__________________
ـ يقوم) فلو قدم الخبر فيهما لالتبس المبتدأ بالفاعل وحينئذ تكون الجملة فعلية لا اسميه ، ولا شك أنهما مختلفتان ، فالاسمية تفيد الدوام والثبوت. والفعلية تفيد التجرد والحدوث.
أما إذا كان الخبر مسندا لفاعل له صورة في اللفظ ، بأن كان فاعله ضميرا بارزا أو اسما ظاهرا ، نحو : «المجدان نجحا ـ الصالحون فازوا) جاز التقديم فتقول : نجحا المجدان فازوا الصالحون للأمن من المحذور المذكور ، إلا على لغة : أكلوني البراغيث ، ووجود اللبس على هذه اللغة لا يمنع من تقديم الخبر ؛ لأن تقديمه أكثر في هذه اللغة ، وأيضا فهو لا يحمل عليها لذلك ، وإن لتقديم الخبر في ذلك أكثر من كون الظاهر بدلا من الضمير ؛ ولهذا قالوا في قوله تعالى : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) وفي قوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أن كثير والذين مبتدآن مؤخران لا بدلان.
واعلم أن بعضهم قد ذهب إلى أن الوصف بعد المبتدأ المسبوق بنفي أو استفهام كالفعل الممتنع تقديمه ، نحو : «ما زيد قائم» ، و «هل محمد منطلق» ؛ لأنه لو قدم لحصل لبس أيضا وهو غير صحيح ، لتصريحهم بجواز التقديم في مثله ، وأن اللبس فيه ليس مثل ذلك لأن تقديم الخبر إذا كان فعلا يخرج الجملة من الاسمية إلى الفعلية بخلاف الوصف.
ثالثها : أن يقترن الخبر ب «إلّا» معنى ، نحو : إنما العالم محب لدينه. إذ التقدير ما العالم إلا محب لدينه ، ويستشهد لذلك بما جاء في الكتاب العزيز من نحو قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) أي ما أنت إلا منذر أو لفظا ، نحو : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)، (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ).
وذلك لأنه لو قدم هنا لانعكس المراد وأفاد انحصار الخبر في المبتدأ والغرض خلاف ذلك وأما قول الشاعر :
فيا رب هل إلا بك النصر يرتجى |
|
عليهم وهل إلا عليك المعول |
فضرورة أو شاذ لا يعول عليه لأن فيه تقديم الخبر المحصور ب «إلا» في قوله بك النصر ـ عليك المعول.
ولقد كان من واجبه أن يقول هل النصر يرتجى إلا بك وهل المعول إلا عليك.
رابعها : أن تدخل على المبتدأ لام الابتداء نحو (لمحمد صلىاللهعليهوسلم علم الهدى) ونحو (لزيد قائم) فيجب في هذا ونحوه تقديم المبتدأ وتأخير الخبر لأن لام الإبتداء ملازمة لصدر الكلام فكذلك ما اقترن بها.
وأما قول الشاعر :
خالي لأنت ومن جرير خاله |
|
ينل العلاء ويكرم الأخوالا |
خامسها : أن يكون المبتدأ مستحثا للتصدير (إما بنفسه) بأن يكون له صدر الكلام ك «ما» التعجبية نحو (ما أحسن الإخلاص) وأسماء الاستفهام ، نحو (من فاز في الامتحان؟) وأسماء الشرط نحو (من يرحمني يرحمهالله) وكم الخبرية نحو (كم جنيه عندي) وضمير الشأن نحو (هو الله يفعل ما يشاء) وكذا كل ما أشبهه من كل ما أخبر عنه بجملة هي عينه في المعنى نحو (نطقي الله حسبي)
(وإمّا بغيره) إما متقدم عليه وهو ما اقترن بلام الابتداء وقد تقدم الكلام عليها أو متأخرا عنه بأن يكون المبتدأ مضافا إلى ما له الصدر نحو «غلام من عندك» وغلام من يقم أقم معه ومال كم رجل عنك.
أو مشبها بما يستحق التصدير وهو الموصول المقترن خبره بالفاء نحو (الذي يعطف على المساكين فله أجر عظيم) فإن المبتدأ وهو الذي مشبه باسم الشرط لعمومه وإبهامه واستقبال الفعل الذي بعده ولكونه سببا لما بعده وهو جملة الخبر كما أن الشرط سبب للجواب ولهذا الشبه دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في الجواب ويجب أيضا تأخير الخبر المقرون بالباء الزائدة نحو (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) والطلبي نحو (علي أكرمه) أو (لا تهنه) وكذا المخبر به عن مذ ومنذ نحو (ما رأيته مذ أو منذ يومان) إذا جعلا مبتدأين.