هذا ـ [أعني : إهمالها إذا نقض نفيها](١) ـ مذهب الجمهور ، وقد أجاز يونس إعمالها منتقضة النّفي ب «إلا».
وأنشد : [الطويل]
١٦٤٢ ـ وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله |
|
وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (٢) |
فنصب «منجنونا» ، و «معذّبا» على خبر «ما» ـ وهما بعد «إلا» ـ.
ومثله قول الآخر : [الوافر]
١٦٤٣ ـ وما حقّ الّذي يعثو نهارا |
|
ويسرق ليله إلّا نكالا (٣) |
ف «حق» اسم «ما» و «نكالا» خبرها.
وتأول الجمهور هذه الشواهد على أنّ الخبر محذوف ، وهذا المنصوب معمول لذلك الخبر المحذوف ، والتقدير : وما الدّهر إلا يدور دوران منجنون ، فحذف الفعل الناصب ل «دوران» ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب ، وكذا : «إلا معذّبا» تقديره : يعذّب تعذيبا ، فحذف الفعل ، وأقيم «معذّبا» مقام «تعذيب» ، كقوله تعالى : (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي : كل تمزيق. وكذا : «إلا نكالا» ، وفيه من التكلّف ما ترى.
و «محمّد» هو المستغرق لجميع المحامد ؛ لأن الحمد لا يستوجبه إلا الكامل ، والتحميد فوق الحمد ، فلا يستحقه إلا المستولي على الأمد في الكمال. وأكرم الله نبيه باسمين مشتقّين من اسمه ـ جل جلاله ـ وهما محمد وأحمد.
قال أهل اللغة : كل جامع لصفات الخير يسمّى «محمدا».
قوله : (قَدْ خَلَتْ) في هذه الجملة وجهان :
أظهرهما : أنها في محل رفع ؛ صفة ل «رسول».
الثاني : أنها في محل نصب على الحال من الضمير المستكن في «رسول» ، وفيه نظر ؛ لجريان هذه الصفة مجرى الجوامد ، فلا تتحمل ضميرا.
قوله : «من قبله» فيه وجهان ـ أيضا ـ :
أحدهما : أنه متعلق ب «خلت».
والثاني : أنه متعلق بمحذوف ؛ حال من «الرّسل» مقدّما عليها ، وهي ـ حينئذ ـ حال مؤكّدة ؛ لأن ذكر الخلوّ مشعر بالقبليّة.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) تقدم برقم ٦٤٢.
(٣) البيت لمغلس بن لقيط ينظر في تخليص الشواهد ص ٢٨٢ ، والجنى الداني ص ٣٢٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٤٨ ، والدرر ٢ / ١٠٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٢٣ ، والدر المصون ٢ / ٢٢١.