قال القفال : والوقف ـ في هذا التأويل ـ على قوله : «قتل» وقوله (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) حال ، بمعنى : قتل حال ما كان معه ربيون كثير. أو يكون على معنى التقديم والتأخير أي : وكأين من نبي معه ربيون كثير ، فما وهن الربيون على كثرتهم.
وقيل : المعنى : وكأين من نبي قتل ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثير ، فما ضعف الباقون ، ولا استكانوا ؛ لقتل من قتل من إخوانهم ، بل مضوا على جهاد عدوهم ، فقد كان ينبغي أن يكون حالكم كذلك.
وحجّة هذه القراءة أنّ المقصود من هذه الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء ؛ لتقتدي هذه الأمة بهم. والمعنى على القرءة الثانية ـ : وكم من نبي قاتل معه العدد الكثير من أصحابه ، فأصابهم من عدوهم قروح ، فما وهنوا ؛ لأن الذي أصابهم إنما هو في سبيل الله وطاعته ، وإقامة دينه ، ونصرة رسوله ، فكذلك كان ينبغي أن تفعلوا مثل ذلك يا أمة محمد.
وحجة هذه القراءة : أن المراد من هذه الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم في القتال ، فوجب أن يكون المذكور هو القتال ، وأيضا روي عن سعيد بن جبير أنه قال : ما سمعنا بنبي قتل في القتال (١). قوله : (فَما وَهَنُوا) الضمير في «وهنوا» يعود على الربّيّين بجملتهم ، إن كان قتل مسندا إلى ضمير النبي صلىاللهعليهوسلم وكذا في قراءة «قاتل» سواء كان مسندا إلى ضمير النبي ، أو إلى الربّيين ، فالضمير يعود على بعضهم وقد تقدم ذلك عند ترجيح قراءة «قاتل».
والجمهور على (وَهَنُوا) ـ بفتح الهاء ـ والأعمش وأبو السّمّال بكسرها ، وهما لغتان : وهن يهن ـ كوعد يعد ـ ووهن يوهن ـ كوجل يوجل ـ وروي عن أبي السّمّال ـ أيضا ـ وعكرمة : وهنوا ـ بسكون الهاء (٢) ـ وهو من تخفيف فعل ؛ لأنه حرف حلق ، نحو نعم وشهد ـ في نعم وشهد ـ.
قال القرطبيّ : ـ عن أبي زيد ـ : «وهن الشيء يهن وهنا ، وأوهنته أنا ووهّنته : ضعّفته ، والواهنة : أسفل الأضلاع وقصاراها ، والوهن من الإبل : الكثيف ، والوهن : ساعة تمضي من الليل ، وكذلك الموهن ، وأوهنّا : صرنا في تلك الساعة».
و (لِما أَصابَهُمْ) متعلق ب «وهنوا» و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، أو مصدرية ، أو نكرة موصوفة.
وقرأ الجمهور (وَما ضَعُفُوا) ـ بضم العين ـ وقرىء : ضعفوا ـ بفتحها ـ وحكاها الكسائي لغة.
__________________
(١) انظر : السابق.
(٢) انظر : البحر المحيط ٣ / ٨٠ ، والدر المصون ٢ / ٢٢٩.