قال شهاب الدين (١) : «وهذا من هذه الحيثية ـ صحيح ، والفرق لائح ، إلا أن لفظ الفرّاء فيه أنه أجرى فيه الوصل مجرى الوقف من حيث بقيت الهاء المنقلبة عن التاء وصلا لا وقفا واعتد بذلك ، ونقل إليها حركة الهمزة ، وإن كانت همزة قطع».
وقد اختار الزمخشري مذهب الفراء ، وسأل وأجاب فقال : «ميم» حقها أن يوقف عليها كما يوقف على ألف ولام ، وأن يبتدأ بما بعدها ، كما تقول : واحد. اثنان ، وهي قراءة عاصم (٢) ، وأما فتحتها فهي حركة الهمزة ألقيت عليها حين أسقطت للتخفيف.
فإن قلت : كيف جاز إلقاء حركتها عليها ، وهي همزة وصل لا تثبت في درج الكلام ، فلا تثبت حركتها ؛ لأن ثبات حركتها كثباتها؟
قلت : هذا ليس بدرج ، لأن «ميم» في حكم الوقف والسكون ، والهمزة في حكم الثابت ، وإنما حذفت تخفيفا وألقيت حركتها على الساكن قبلها ؛ ليدل عليها ، ونظيره : واحد اثنان بإلقائهم حركة الهمزة على الدال.
قال أبو حيّان : «وجوابه ليس بشيء ؛ لأنه ادّعى أن الميم ـ حين حرّكت ـ موقوف عليها ، وأن ذلك ليس بدرج ، بل هو وقف ، وهذا خلاف ما أجمعت عليه العرب ، والنحاة من أنه لا يوقف على متحرك ألبتة سواء كانت حركته إعرابية ، أم بنائية ، أم نقلية ، أم لالتقاء الساكنين ، أم للإتباع ، أم للحكاية ، فلا يجوز في (قَدْ أَفْلَحَ) إذا حذفت الهمزة ، ونقلت حركتها إلى دال «قد» أن تقف على دال «قد» بالفتحة ، بل تسكنها ـ قولا واحدا.
وأما قوله : ونظير ذلك واحد اثنان ـ بإلقاء حركة الهمزة على الدال ـ فإن سيبويه ذكر أنهم يشمّون آخر «واحد» لتمكنه (٣) ، ولم يحك الكسر لغة ، فإن صحّ الكسر فليس «واحد» موقوفا عليه ـ كما زعم الزمخشريّ ـ ولا حركته حركة نقل من همزة الوصل ، ولكنه موصول بقولهم : اثنان ، فالتقى ساكنان دال «واحد» وثاء «اثنين» ، فكسرت الدال ؛ لالتقاء الساكنين ، وحذفت همزة الوصل ؛ لأنها لا تثبت في الوصل».
قال شهاب الدين : «ومتى ادّعى الزمخشري أنه يوقف على «ميم» من «الم» ـ وهي متحركة ـ حتى يلزمه بمخالفة إجماع العرب والنحاة؟ إنما ادعى أن هذا في نية الموقوف عليه قبل تحريكه بحركة النقل ، لا أنه نقل إليه ، ثم وقف عليه ، هذا لم يقله ألبتة ، ولم يخطر له».
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٢ / ٣٥.
(٢) ينظر : السبعة ٢٠٠ ، والكشف ١ / ٣٣٤ ، والحجة ٣ / ٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٨٩ ، والدر المصون ٢ / ٥.
(٣) قال سيبويه ٣ / ٦٥ «فإن قلت : ما بالي أقول : واحد اثنان ، فأشمّ الواحد ، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأنّ الواحد اسم متمكّن ، وليس كالصوت ، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج ...».