والثاني : قال السدي (١) : إن اليهود حبسوا عيسى ـ عليهالسلام ـ مع عشرة من الحواريين في بيت ، فدخل عليه رجل من اليهود ليخرجه ويقتله ، فألقى (٢) الله شبه عيسى ـ عليهالسلام ـ على ذلك الرجل ، ورفع عيسى إلى السماء ، فأخذوا ذلك الرجل فقتلوه على أنه عيسى ـ عليهالسلام ـ ، ثم قالوا [إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ، وإن كان صاحبنا فأين عيسى](٣) ، فذلك اختلافهم فيه.
قوله : (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) : «منه» في محل جر صفة ل «شك» يتعلق بمحذوف ، ولا يجوز أن تتعلق فضلة بنفس «شك» ؛ لأن الشك إنما يتعدى ب «في» لا ب «من» ، ولا يقال : إن «من» بمعنى «في» ؛ فإن ذلك قول مرجوح ، ولا ضرورة لنا به هنا.
وقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) يجوز في (مِنْ عِلْمٍ) وجهان :
أحدهما : أنه مرفوع بالفاعلية ، والعامل أحد الجارين : إما «لهم» وإما «به» ، وإذا جعل أحدهما رافعا له ، تعلق الآخر بما تعلق به الرافع من الاستقرار المقدر ، و «من» زائدة لوجود شرطي الزيادة.
والوجه الثاني : أن يكون (مِنْ عِلْمٍ) مبتدأ زيدت فيه «من» أيضا ، وفي الخبر احتمالان :
أحدهما : أن يكون «لهم» فيكون : «به» : إما حالا من الضمير المستكن في الخبر ، والعامل فيها الاستقرار المقدر ، وإما حالا من «علم» ، وإن كان نكرة ؛ لتقدمها عليه ، ولا عتماده على نفي ، فإن قيل : يلزم تقدم حال المجرور بالحرف عليه ، وهو ضرورة ، لا يجوز في سعة الكلام.
فالجواب : أنا لا نسلم ذلك ، بل نقل أبو البقاء (٤) وغيره ؛ أن مذهب أكثر البصريين جواز ذلك ، ولئن سلمنا أنه لا يجوز إلا ضرورة ، لكن المجرور هنا مجرور بحرف جر زائد ، والزائد في حكم المطرح ، وأما أن يتعلق بمحذوف على سبيل البيان ، أي : أعني به ، ذكره أبو البقاء (٥) ، ولا حاجة إليه ، ولا يجوز أن يتعلق بنفس «علم» ؛ لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه.
والاحتمال الثاني : أن يكون «به» هو الخبر ، و «لهم» متعلق بالاستقرار ؛ كما تقدم ، ويجوز أن تكون اللام مبينة مخصصة كالتي في قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤]. وهذه الجملة المنفية تحتمل ثلاثة أوجه : الجر على أنها صفة ثانية ل «شك» أي : غير معلوم.
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٨٠.
(٢) في ب : ألقى.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : الإملا ١ / ٢٠١.
(٥) ينظر السابق.