قال الزّمخشريّ (١) : «ليس بسديد أن يعطف على المجرور في «فيهنّ» ؛ لاختلاله من حيث اللّفظ والمعنى» وهذا سبقه إليه أبو إسحاق (٢).
قال [الزجاج] : وهذا بعيد بالنّسبة إلى اللّفظ وإلى المعنى : أمّا اللّفظ ؛ فإنه يقتضي عطف المظهر على المضمر ، وأما المعنى : فلأنه ليس المراد أنّ الله يفتيكم في شأن ما يتلى عليكم في الكتاب ، وذلك غير جائز ؛ كما لم يجز في قوله : (تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] يعني : من غير إعادة الجارّ.
وقد أجاب أبو حيّان (٣) عما ردّ به الزّمخشريّ والزجاج ؛ بأن التّقدير : يفتيكم في متلوّهنّ ، وفيما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء ، وحذف لدلالة قوله : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ، وإضافة «متلو» إلى ضمير «هنّ» سائغة ، إذ الإضافة إليهنّ ، كقوله : (مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] لمّا كان المكر يقع فيهما ، صحّت إضافته إليهما ، ومثله قول الآخر : [الطويل].
١٨٨٥ ـ إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة |
|
سهيل أذاعت غزلها في الغرائب (٤) |
[قال شهاب الدين] : وفي هذا الجواب نظر.
والنّصب بإضمار فعل ، أي : ويبيّن لكم ما يتلى [عليكم] ؛ لأنّ «يفتيكم» بمعنى يبيّن لكم ، واختار أبو حيّان وجه الجرّ على العطف على الضّمير ، مختارا لمذهب الكوفيّين قال : لأنّ الأوجه كلّها تؤدّي إلى التّأكيد ، وأمّا وجه العطف على الضمير [المجرور] ، فيجعله تأسيسا ، قال : «وإذا دار الأمر بينهما ؛ فالتّأسيس أولى» ، وفي إفراد هذا الوجه بالتّأسيس دون بقيّة الأوجه نظر لا يخفى.
قوله : «في الكتاب» يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلّق ب «يتلى».
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف على أنه حال من الضّمير المستكنّ في «يتلى».
والثالث : أنه خبر «ما يتلى» على الوجه الصّائر إلى أنّ «ما يتلى» مبتدأ ، فيتعلق بمحذوف أيضا ، إلّا أنّ محلّه على هذا الوجه رفع ، وعلى ما قبله نصب.
قوله : (فِي يَتامَى النِّساءِ) فيه خمسة أوجه :
أحدها : أنه بدل من «الكتاب» وهو بدل اشتمال ، ولابد من حذف مضاف ، أي : في حكم يتامى ، ولا شك أن الكتاب مشتمل على ذكر أحكامهن.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ١ / ٥٧٠.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ١٢٤.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٧٦.
(٤) ينظر البيت في المحتسب ٢ / ٢٢٨ واللسان (غرب) وابن يعيش ٣ / ٨ ، والمقرب ١ / ٢١٣ والدر المصون ٢ / ٤٣٢.