الثالث : أنه متعلّق بالاستقرار المقدّر قبل قوله : «فجزاء» ؛ إذ التقدير : فعليه جزاء ليذوق.
الرابع : أنه متعلّق ب «صيام» ، أي : صومه ليذوق.
الخامس : أنه متعلّق ب «طعام» ، أي : طعام ليذوق ، ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو البقاء (١) ، وهي ضعيفة جدّا ، وأجودها الأول.
السادس : أنها تتعلّق ب «عدل ذلك» ، نقله أبو حيان (٢) عن بعض المعربين ، قال : «غلط».
والوبال : سوء العاقبة وما يخاف ضرره ، قال الراغب (٣) : والوابل : المطر الثقيل القطر ، ولمراعاة الثّقل ، قيل للأمر الذي يخاف ضرره : وبال ، قال تعالى : ف (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) [الحشر : ١٥] ، ويقال : «طعام وبيل» ، و «كلأ وبيل» يخاف وباله ؛ قال تعالى : (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) [المزمل : ١٦] ، وقال غيره : «والوبال في اللغة ؛ ثقل الشيء في المكروه ، يقال : «مرعى وبيل» ، إذا كان يستوخم ، و «ماء وبيل» إذا كان لا يستمرأ ، واستوبلت الأرض : كرهتها خوفا من وبالها». والذّوق هنا استعارة بليغة.
وإنّما سمّى الله تعالى ذلك وبالا ؛ لأنّه خيّره بين ثلاثة أشياء ، اثنان منها توجب تنقيص المال ، وهو ثقيل على الطّبع (٤) ، وهما الجزاء بالمثل والإطعام ، والثّالث يوجب إيلام البدن وهو الصّوم ، وذلك أيضا يثقل على الطّبع ، وذلك حتّى يحترز عن قتل الصّيد في الحرم ، وفي حال الإحرام.
قوله : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) يعني : قبل التّحريم ، ونزول الآية وقال السدّيّ : عما سلف في الجاهليّة (٥).
وقيل : هذا إبدال على قول من لا يوجب الجزاء ، إلّا في المرّة الأولى ، أمّا في المرّة الثّانية : فإنه لا يوجب الجزاء عليه ، ويقول : إنّه أعظم من أن يكفّره التّصدّق بالجزاء ، فعلى هذا المراد عفا الله عما سلف في المرّة الأولى بسبب أداء الجزاء ، ومن عاد إليه مرّة ثانية ، فلا كفّارة لجرمه ، بل الله ينتقم منه ، وحجّة هذا القول : أنّ «الفاء» في قوله «فينتقم الله منه» فاء الجزاء ، والجزاء هو الكافي ، فهذا يقتضي أنّ هذا الانتقام كما في هذا الذّنب ، وكونه كافيا (٦) يمنع من وجوب شيء آخر ، فلا يجب عليه الجزاء.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٢٧.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٥.
(٣) ينظر : المفردات ٥٤٧.
(٤) في أ : الطمع.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٥٨٤) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ من طريق نعيم بن قعنب عن أبي ذر.
(٦) في أ : فأنما.