يدّعيها ، كانت دليلاً قاطعاً على صدقه ، فإنّ كلّ واحدة من القرائن ، وإن كانت قاصرة عن إفادة اليقين ، إلّا أنّها بمجموعها تفيده .
أول من طرق هذا الباب
إنّ أوّل من طرق هذا الباب ، وجعل القرائن المفيدة للقطع بصدق المدّعي ، دليلاً على صحة الدعوى ، هو قيصر الروم ، فإنّه عندما كتب إليه الرسول محمد صلى الله عليه وآله ، رسالة يدعوه فيها إلى اعتناق دينه الذي أتى به ، أخذ ـ بعد استلامه الرسالة ـ يتأمّل في عبارات الرسول ، وكيفية الكتابة ، حتى وقع في نفسه احتمال صدق الدعوى ، فأمر جماعة من حاشيته بالتجول في الشام والبحث عمّن يعرف الرسول عن قرب ، ومطّلع على أخلاقه وروحياته ، فانتهى البحث إلى العثور على أبي سفيان وعدّة كانوا معه في تجارة إلى الشام ، فأحضروا إلى مجلس قيصر ، فطرح عليهم الأسئلة التالية :
* قيصر : كيف نسبه فيكم ؟ .
ـ أبو سفيان : محضٌ ، أوسطنا نسباً (١) .
* قيصر : أخبِرني ، هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما يقول ، فهو يتشبّه به ؟ .
ـ أبو سفيان : لا ، لم يكن في آبائه من يدّعي ما يقول .
* قيصر : هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه ، فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه ؟ .
ـ أبو سفيان : لا .
* قيصر : أخبرني عن أتباعه منكم ، من هم ؟ .
ـ أبو سفيان : الضعفاء والمساكين والأحداث من الغلمان والنساء . وأمّا ذوو الأسنان والشرف من قومه فلم يتبعه منهم أحد .
* قيصر : أخبرني عمّن تبعه ، أيحبه ويلزمه ؟ أم يقليه ويفارقه ؟ .
__________________
(١) أي أَعْلانا نسباً .