كذَبتك عينك أم رأَيْتَ بواسط |
غَلَس الظَّلام من الرباب خيالاً |
وعلى كل تقدير ، فالآية بصدد بيان أنّه لم يكن هناك اختلاف بين تصديق القلب ورؤية العين ، فإذا صدّق القلب ، تكون الرؤية حقيقةً .
ب ـ قوله : ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ) .
أي ما زاغ بصر محمد وما طغى . وهو كناية عن صحة رؤيته وأنّه لم يُبصر ما أبصره على غير صفته الحقيقية ، ولا أبصر ما لا حقيقة له . بل أبصر غيرَ خاطىء في إبصاره .
والآيتان بصدد بيان مصونية قلبه وبصره عن الخطأ ، في مقام الأخذ والتلقّي ، ولا تتم الصيانة إلّا بمصونية كل جوارحه إذا كانت في خدمة الوحي . فهو صلى الله عليه وآله يُبْصر بعينه ، ويسمع بأُذنه ، ويدرك بقلبه الأشياء والحقائق على ما هي عليه من دون خطأ .
ب ـ نُبُوَّةٌ أَو جنونٌ
ولك أن تقول ، إنّ مقالة هؤلاء المتجددين ، ليست بعيدة ولا غريبة عن اتّهام الأنبياء بالجنون الذي هو في حقيقته مرتبة عالية وشديدة من تجلّي النزعات الخيالية . هذه التهمة التي افتراها العرب على النبي الخاتم ، كما في قوله تعالى : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) (١) . وأشار إليها القرآن في موارد عديدة أخرى (٢) ، وافتراها أعداء الأنبياء المتقدمين عليهم ، كما يقول تعالى : ( كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) (٣) ، ثم افتراها هؤلاء القساوسة والمستشرقون
__________________
(١) سورة الحجر : الآية ٦ .
(٢) قد جاءت هذه الفرية في المواضع التالية من الذكر الحكيم :
سورة سبأ : الآية ٨ ، سورة الصافات : الآية ٣٦ . سورة الدخان : الآية ١٤ . سورة الطور : الآية ٢٩ . سورة القلم : الآية ٢ . سورة التكوير : الآية ٨٢ .
(٣) سورة الذاريات : الآيتان ٥٢ و ٥٣ .