قال تعالى : ( بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ) (١) أي قالوا : إنّ النبي ليس مختاراً فيما جاءَ به من الكتاب ، وشَرَّعه من الأحكام ، وإنّما هو وحيُ الأحلام ، وطوارق الرؤى تجري على لسانه .
وقد ردّ تعالى مزعمتهم هذه في موضع آخر من كتابه ـ من دون أن يذكر تُهمتهم ـ بقوله : ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) (٢) .
فهذه الآيات تركّز على صدق الوحي ، وكونه أمراً واقعياً مُفاضاً من الله سبحانه . وأنْتَ إذا لاحظت منها الآيتين التاليتين ، يتجلى لك بوضوح حقيقةُ ذلك .
أ ـ قوله : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) .
والمعنى لم يكذّب فؤاد محمد ما أدركه بصره ، أي كانت رؤيته صحيحة غير كاذبة ، وإدراكاً على الحقيقة .
وهذا ، سواءٌ قُرِءَ « كذب » بالتشديد ، فالموصول مفعولُه ، أو قُرِءَ بالتخفيف ، كما هو القراءة المعروفة ، فهو يتعدى إلى مفعول ، قال الشاعر :
__________________
(١) سورة الأنبياء : الآية ٥ .
(٢) سورة النجم : الآيات ١ ـ ١٨ . والمراد من « شديد القوى » هو ملك الوحي والضميران في « فاستوى » و« وهو بالأفق الأعلى » ، يرجعان إلى شديد القوى وكذلك الضمير في قوله : « أوحى » ، وأمّا الضمير في عبده فيرجع إلى الله سبحانه .
وقد اشتبه الأمر على كثير من المفسّرين في تفسير هذه الآيات فزعموا أنّ النبي رأى الله سبحانه وتعالى .