له هذا الإعتقاد في الرؤى المنامية ، ثم قوي حتى صار يتمثّل له الملك ، يلقّنه الوحي في اليقظة .
وأمّا المعلومات التي جاءته في هذا الوحي فهي مستمدة الأصل من تلك الينابيع التي ذكرناها ، ومما هداه إليه عقله وتفكّره في التمييز بين ما يصحّ منها وما لا يصحّ ، ولكنها كانت تتجلّى له نازلة من السماء ، وأنّها خطاب الخالق عزّ وجلّ ، بواسطة الناموس الأكبر وملك الوحي ، جبرئيل روح القُدس (١) .
وبكلمة أدقّ : إنّ معلوماته وأفكاره وآماله ، ولّدت له إلهاماً ، فاض من عقله الباطن أو نفسه الخفية الروحانية العالية ، على مخيّلته السامية ؛ وانعكس اعتقاده على بصره : فرأى الملك ماثلاً له ، وعلى سمعه : فوعى ما حدّثه الملك به (٢) .
تحليل هذه النظرية
أ ـ نُبُوّةٌ أو أضغاث أحلام
هذه النظرية التي جاء بها بعض الغربيين ، وإن كانت تنطلي على السذج من الناس وتأخذ بينهم رونقاً ، إلّا أنّ رجال التحقيق يدركون تماماً أنّها ليست بشيء جديد قابل للذكر ، وإن هي إلّا تكرار لمقالات العرب الجاهليين في النبوة والوحي ، غير أنّ الغربي أخذ يديف السم في الدسم ، ويعرض ما أكل الدهر عليه وشرب ، بصورة نظرية حديثة برّاقة تتمحور في أنّ رجال الوحي أُناس مُخَبّطون ، استغرقوا في التفكير في أُمنياتهم عقوداً من الدهر حتى رأوها ماثلة في خيالهم وأمام حسّهم .
إنّ الذكر الحكيم ينقل لنا أنّ من جملة مقالات العرب وافتراءاتهم على النبي الأكرم ، وَصْم شريعته بأنّها نتاج الأحلام العذبة التي كانت تراود خاطره ، ثم تتجلى على لسانه وبصره .
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٩٠ .
(٢) المصدر السابق ، ص ٣٥ .