وعلى ما ذكرنا يمتنع أن تكون تلك المعارف العليا ، والشرائع والقوانين الاجتماعية التي جاء بها الأنبياء ، نتاج الشخصية الباطنة ، والضمير المخفي وكيف يكون ذلك ، والمصدر الوحيد للمعارف الموجودة في الضمير المخفي هو الشخصية الظاهرية وما تأخذه الحواس من خارج الذهن والمحيط والبيئة . والمحيط الذي عاش فيه الأنبياء ، وترعرعوا في أحضانه ، في واد آخر من هذه المعارف والشرائع ، لم يسمع ولم يخبر بها .
فلا يبقى بالنتيجة إلّا أن يكون لها مصدر ومنبعٌ آخر ، غير ما يدعون .
إنّ هذه المعلومات التي يعطيها هؤلاء المحلّلون لمسألة الوحي ، قليلة المواد ، ضيقة النطاق عن أن تكون مصدراً لوحي مثل القرآن الكريم . فإنّ ما جاء في هذا الكتاب من الأحكام والمعارف العليا لا يمكن أن تكون مستمدة من الوحي بهذا المعنى .
وأنّى يكون ليتيم فقير ، نشأ بين الأُميين ، ليس عنده كتاب يرشده ، ولا أُستاذ ينبّهه ، ولا عضد إذا عزم يؤيده ، أن يأتي ولو بمعشار ما في هذا الكتاب من السنن والنظم والمعارف والعقائد . فلا يبقى إلّا القول بأنّه فائض من نور الله الأعظم على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وآله ، كما يقول البوصيري :
الله أكبرُ إِنَّ دينَ محمد |
وكتابَه أَقوى وأَقْومُ قيلا |
|
لا تذكروا الكُتُبَ السوالفَ عنده |
طَلَعَ الصباحُ فاطفَأَ القِنديلا (١) |
__________________
(١) في الختام نعاتب الأستاذ فريد وجدي بما أنّه رجل موحّد مؤمن بعوالم الغيب ورسالة السماء إلى الأرض ، التي تلقّاها الأنبياء عن طريق الوحي ، نعاتبه كيف نقل هذه النظرية الساقطة حول الوحي بإسهاب ، وأوضحها ، ولم يعلّق عليها شيئاً ، وكأنّه بها راض ، ولها مُتَبَنٍّ !! . وهذا الذي وقع منه ، ربما يؤيد ما ذكره مصطفى صبري ، شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ، من أنّ الأستاذ المذكور كان منكراً لمعجزات الأنبياء ، ومضيفاً إليه عند النقاش إنكار البعث بعد الموت ، وقد نَقَلَ عنه هذه العبارات :
« ولد العلم الحديث ، وما زال يجاهد القوى التي كانت
تساوره ، فتغلب عليها ، ودالت الدولة إليه في الأرض ، فنظر نظرة في الأديان وسرى عليها أسلوبه ، فقذف بها جملة في عالم
الميتولوجيا ( أي الأساطير ) . ثم بحث في اشتقاق بعضها عن بعض ، واتّصال أساطيرها بعضها ببعض ، فجعل