وفي مؤخر القوم ، كاتب « حياة محمد » ، محمد حسين هيكل ، فإنّه يبث سمومه في مقدمة كتابه وثناياه ، ويرفع عقيرته بأن المسائل الدينية لا تخضع للمنطق ، يقول :
« إنصرف هؤلاء الشبان عن التفكير في الأديان وفي الرسالة الإِسلامية ، وصاحبها . وزادهم انصرافاً ما رأوا العلم الواقعي والفلسفة الواقعية ( الوضعية ) يقررانه من أن المسائل الدينية لا تخضع للمنطق ولا تدخل في حيز التفكير العلمي ، وأن ما يتصل بها من صور التفكير التجريدي ، الميتافيزِقي ، ليس هو أيضاً من الطريقة العلمية في شيء » (١) .
ماذا يريد من قوله : إن المسائل الدينية لا تخضع للمنطق . فهل يريد من المنطق ، الإستدلال عليها ، كما يستدل عليها بالبرهنة العقلية التي تقوم على أساس إرجاع النظريات إلى البديهيات ، فهذا عدوان وظلم ، فان أُصول المسائل الدينية إنما تثبت بالبرهان العقلي ، ومن سَبَرَ كتب الإِلهيات للمعتزلة والأشاعرة والإِمامية يجد مقدرتهم العلمية على إثبات ما يتبنونه .
وإنْ أراد أنّه لا يخضع للأساليب التجريبية التي هي من شؤون العلوم المادية ، فهو مسلم ، لكن ذلك الترقب ، ترقب في غير محله ، لخروجه عن نطاق التجربة .
والعجب أن ما ذكره الأستاذ ليس أمراً تجريبيا بل هو برهنة عقلية استنتجها من المشاهدات ، حسب زعمه .
هذه نماذج من الاغترار بالعلم وتسرب المادية إلى الاوساط الدينية ، فإذا كان هذا حال هؤلاء الذين يعدون في الجبهة والسنام من الشخصيات الدينية في مصر العزيزة ، فما حال البسطاء الذين ينهلون من مشارعهم ومشارع من يتظاهر بالمادية ويرفع عقيرته بأنّه قد مضى سلطان الدين وبدأ سلطان العلم .
__________________
(١) حياة محمد ، ص ١٥ .