وقد عزب عن المسكين أن ما يدّعيه « هيجل
» من الجمع بين النقيضين لا يمت إلى النقيضين المبحوث عنهما في المنطق الشكلي ، بصلة . وإنّما هو عبارة عن العناصر المتضادة في الطبيعة التي يحصل من تفاعلها شيء ثالث ، ولو أردنا أن نعبر عنه باصطلاح صحيح ، فيجب أن نقول : يريد المتضادين في مصطلح الفلسفة ، لا النقيضين ، ولا الضدين في مصطلح المنطق . ثم نسأل الأُستاذ ، إذا كانت أَبده
القضايا ، أعني امتناع اجتماع النقيضين ، واقعة في إطار الشك والترديد ، بل الردّ والإنكار ، فأنّى له أن يثبت قضية يقينية طاردة للشك واليقين ، إذ المفروض عنده أنّ النقيضين يجتمعان ، وأنّه لا مانع من أن تهدف قضية « قرأ أرسطو على أفلاطون » ونقيضها « لم يقرأ أرسطو على أفلاطون » . وأسوأ من ذلك قوله الآخر ، مندداً
بعلم الكلام الذي نرى جذوره في القرآن والسنة ، ثم العقل : « أما علم التوحيد فبرهان لمن يعتقد ، لا لمن لا يعتقد ، برهان لصاحب الدين ، لا لمخالفه ، ولهذا لم نر في التاريخ أن علم الكلام كان سببا في إيمان من لم يؤمن ، أو إسلام من لم يسلم إلا نادرا ، وإنّما كان سبباً في ايمان الكثير وإسلام الجم الغفير ، الدعوة من طريق القلب لا من طريق المنطق » (١) . نقول : إذا لم يكن علم الكلام سببا
لايمان من لم يؤمن ، فما معنى هذه البراهين التي يسوقها القرآن حول دحض الشرك ودعم التوحيد ، واذا كان العقل غير مفيد في الهداية ، بل المفيد هو الكشف والشهود ، الذي يعبر عنه بطريق القلب ، فما معنى دعوة الوحي الى التعقل والتدبر . والعجب أن كل ما يقوله هو ، هو برهنة
واستدلال بالعقل ، وهو يريد أن يرد العقل بالعقل ، فما هذا التناقض ؟ اللهم إلّا أن يلتجىء الأستاذ إلى فرضية « هيجل » وأنّه يصح الجمع بين النقيضين !! . __________________ (١) موقف العقل والعلم والعالم ، ج ١ ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨