حار في تحديد زمن ومصدر نشوء فكرة عصمة الأنبياء في الإسلام ، ذهب إلى أنّ هذه الفكرة مرجعها إلى تطور علم الكلام عند الشيعة ، وأنّهم أوّلُ من تطرق إلى بحثها في العقائد . ومردّ ذلك ـ يضيف هذا المستشرق ـ إلى أنّ الشيعة لكي يثبتوا أحقيّة إمامة أئمَّتهم وصحة دعوتهم في مقابل الخلفاء السنيين ، أظهروا عصمة الرسل بوصفهم أئمة أو هداة (١) .
هذا ، والحقّ أنّ العصمة بمفهومها العام قد وردت أوساط المسلمين من خلال الإمعان في الآية القرآنية التي يصف فيها الله تعالى ملائكته بقوله : ( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (٢) . ولن يجد الإنسان كلمة أوضح في العصمة من قوله : ( لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ ) .
كما أنّ الله سبحانه يصف الذكر الحكيم بقوله : ( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (٣) ، فإن هذا الوصف للقرآن عبارة أخرى عن المصونية من كل خطأ وتحريف .
بل إنّ الله سبحانه يصف منطق نبيه بالعصمة إذ يقول عزّ من قائل : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (٤) .
ويقول : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ) (٥) . ويقول : ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ) (٦) .
فالعصمة بمفهومها الوسيع ـ مع قطع النظر عن موصوفها ـ مسألة أَلفتَ القرآن الكريم نظر الناس إليها ، فلا يحتاج معه علماء المسلمين إلى الأحبار والرهبان أو إلى نضاجة علم الكلام في عصر الإمام الصادق عليه السلام ، لينتقلوا إلى هذا الوصف .
__________________
(١) عقيدة الشيعة ، تأليف المستشرق رونالدسون ، ص ٣٢٨ .
(٢) سورة التحريم : الآية ٦ .
(٣) سورة فصلت : الآية ٤٢ .
(٤) سورة النجم : الآيتان ٣ و ٤ .
(٥) سورة النجم : الآية ١١ .
(٦) سورة النجم : الآية ١٧ .