لأصحابها ، من مواهب الله سبحانه للأنبياء ومَنْ يقوم مقامهم من الأوصياء . وإذا كانت موهبة منه ، فلا تُعَدّ كمالاً ومفخرة للمعصوم ، فتعود كصفاء اللؤلؤ ، لا يستحق اللؤلؤ عليه حمداً وتحسيناً ، لأنّ الحمد والثناء إنما يصحّان للفعل الإختياري ، لا لما هو خارج عن الإختيار ، والفرض أنّ المعصوم وغيره في هذا المجال سواء ، لأنّ ذاك الكمال لو أُفيض على فرد آخر غيره لكان مثله .
جوابه
إنّ العصمة الإلهية لا تفاض على المعصوم إلّا بعد وجود أرضيات صالحة في نفسه ، تقتضي إفاضة تلك الموهبة إليه ، وأمّا ما هي تلك الأرضيات ، والقابليات ، فخارج عن موضوع البحث ، غير أنّا نشير إليها إجمالاً .
إنّ القابليات التي تسوغ نزول الموهبة الإلهية على قسمين :
قسم خارج عن اختيار المعصوم ، وقسم واقع في إطار إرادته واختياره .
أمّا الأول ـ فهو عبارة عمّا ينتقل إلى النبي من آبائه وأجداده عن طريق الوراثة ، فإنّ في ناموس الطبيعة والخلقة أنّ الأبناء يرثون ما في الآباء من الصفات الظاهرية والباطنية ، فالشجاع يلد شجاعاً ، والجبان جباناً .
وإضافة إلى ذلك ، فإنّ هناك عاملاً آخر لتكوُّن تلك القابليات في النفوس هو عامل التربية ، والأنبياء يتلقون الكمالات الموجودة في بيوتاتهم في ظل هذين العاملين ، فيكوّن ذلك في أنفسهم الأرضية الصالحة لإفاضة المواهب عليهم ، ومنها العصمة والنبوة .
وأمّا الثاني ـ فهو عبارة عن المجاهدات الفردية والإجتماعية التي يقوم بها رجالات الوحي من أوائل شبابهم إلى أواخر كهولتهم ، من العبادة والرياضات النفسية إلى مقارعة الطغاة والظالمين (١) .
__________________
(١) أنظر إلى ما قام به إبراهيم على صغر سنه ، ويوسف في بيت من تملكه ، وموسى في مصر الفراعنة ، والمسيح في بني إسرائيل ، والنبي الأكرم (ص) في عامة فترات حياته .