وقال تعالى : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) (١) .
وقال تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ . . . ) (٢) .
وهذه الشهادة يتحملها الشهداء في الدنيا ويُؤدُّونها في الآخرة ، ويدلّ على ذلك :
قوله سبحانه : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٣) .
وقوله سبحانه : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) (٤) .
فمجموع هذه الآيات يدلّ على أنّ في كلّ أُمَّةٍ شهداء على أعمالها ، وأنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله على رأسهم ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر ، إنّ الشهادة هنا ليست على صور الأعمال والأفعال ، فإنّها غير كافية في القضاء الأُخروي ، بل المشهود عليه هو حقائق أعمال الأُمة : الإيمان والكفر والنفاق ، والرياء والإخلاص . . . ومن المعلوم أنّ هذه المشهودات لا يمكن تشخيصها والشهادة عليها عن طريق الحواس الخمس ، لأنّها لا يمكنها أن تستكشف حقائق الأعمال ، وما يستبطه الإنسان . فيجب أن يكون الأنبياء مجهزين بحسّ خاص يقدرون معه على الشهادة على ما لا يُدْرَك بالبصر ولا بسائر الحواس ، وهذا هو الذي نسميه بحبل العصمة ، وكلُّ ذلك بأمر من الله سبحانه وإِذْنِه ، والمُجَهَّز بهذا الحسّ لا يخطىء ولا يسهو .
وإن شئت قلت : إنّ الشهادة هنا ، لو كانت خاطئة ، للزم عقاب المطيع أو إثابة المجرم ، وهو قبيح عقلاً ، لا سيما الأول ، فيجب أن تكون شهادة الشاهد
__________________
(١) سورة النحل : الآية ٨٤ .
(٢) سورة الزمر : الآية ٦٩ .
(٣) سورة المائدة : الآية ١١٧ .
(٤) سورة النساء : الآية ١٥٩ .