الكتاب ـ تتوقف على العلم بالكبريات والصغريات ، وهو ما أشارت إلى تحققه في النبي ، الفَقرتان الثانية والثالثة من الآية الثانية .
قال العلامة الطباطبائي : « المراد من قوله سبحانه : ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ) ، ليس علمه بالكتاب والحكمة ، فإنّ مورد الآية قضاء النبي في الحوادث الواقعة ، والدعاوى المرفوعة إليه ، برأيه الخاص ، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشيء ، وإن كان متوقفاً عليهما ، بل المراد رأيه ونظره الخاص » (١) .
فَيْنْتِجُ كلُّ ذلك أنّ النبي ـ لأجل عميم فضله سبحانه ـ مصون في مقام القضاء عن الخطأ والسهو .
ولما كان هنا موضع توهّم وهو أنّ رعاية الله لنبيّه تختصّ بموردٍ دون مورد ، دفع ذلك التوهّم بالفقرة الرابعة وقال : ( وكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) حتى لا يتوهم اختصاص فضله عليه بواقعة دون أخرى ، بل مقتضى عظمة الفضل سعة شموله لكل الوقائع والحوادث ، سواء أكانت من باب المرافعات أم من الأمور العادية الشخصية .
ولا كلام أعلى وأغزر عاطفة من قوله سبحانه في حق حبيبه : ( وكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) .
الآية الثانية ـ قال سبحانه : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا . . ) (٢) .
إنّ الشهادة الواردة في الآية ، من الحقائق القُرآنية التي تكرر ورودها في الذكر الحكيم .
قال تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ) (٣) .
__________________
(١) الميزان ، ج ٥ ، ص ٨١ .
(٢) سورة البقرة : الآية ١٤٣ .
(٣) سورة النساء : الآية ٤١ .