ورحمته لهمّت طائفة أن يرضوه بالدفاع عن الخائن ، غير أنّ فضله العظيم على النبي هو الذي صدّه عن فعل ذلك ، وأبطل أمرهم الذي كان سيؤدّي إلى إضلاله .
وبما أنّ رعاية الله سبحانه وفضله الجسيم على النبي ليسا مقصورين على حال دون حال ، أو وقت دون آخر ، بل هو مشمول لهما ومحاطٌ بهما في جميع لحظات حياته ، فلن يصيبَه من إضلالهم شيء ، وإنّما يضرّون بذلك أنْفُسَهم ، كما قال عزّ وجلّ : ( وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ) .
والفقرة الثانية تشير إلى مصادر حكمه ومدارك قضائه ، وأنّه لا يصدر في هذا المجال إلّا عن التعليم الإلهي .
ولما كان هذا النوع من العلم الكلّي أحد ركني القضاء ، وهو لوحده لا يفي بالقضاء بالحق ، وإنّما يتمّ القضاء بالحق بتمييز الصغريات ، وهو تشخيص المُحقّ من المُبْطل ، والخائن من الأمين ، والزاني من العفيف ، أتى بالفقرة الثالثة ، فقال : ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ) . ومقتضى العطف ، مغايرة المعطوف ( وعَلَّمَكَ . . ) للمعطوف عليه ( وأَنْزَل . . ) فإذا كان المعطوفُ عليه ناظراً إلى تمكّنه من الركن الأول ـ وهو العلم بالاحكام الكليّة الواردة في الكتاب والسنّة ـ يكون المعطوفُ ناظراً إلى الركن الثاني للقضاء الصحيح وهو العلم بالموضوعات والجزئيات .
فالعلم بالحكم الشرعي أولاً ، وتشخيص الصغريات وتمييز الموضوعات ثانياً ، جناحان للقاضي يحلّق بهما في سماء القضاء بالحق ، من دون أن يجنح إلى جانب الباطل أو يسقط في هوّة الضلال . والفقرة الأولى تشير إلى الجانب الأول ، والثانية إلى الثاني .
ومجمل ما تقدم أنّ الآية الأُولى تدلّ على أنّ الهدف من إنزال الكتاب ، القضاء بين الناس بما أراه الله سبحانه ، ولا يمكن أن يكون ما أراه سبحانه أمراً خاطئاً ، بل هو صواب على الإطلاق ، هذا من جانب .
ومن جانب آخر إنّ القضاء بالحق ـ الذي
هو الغاية المتوخاة من إنزال