يُضِلُّوكَ ، وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ، وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ، وَأَنزَلَ اللَّـهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ، وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) (١) .
الإستدلال بهاتين الآيتين وإن كان لا يتوقف على معرفة أسباب نزولهما ، إلّا أنّ الإحاطة بأسباب النزول توجب ظهورَهُما في مفادهما .
إنّ مجموع ما ورد حول هاتين الآيتين وغيرهما ، من أسباب النزول ، متفق على أنّها نزلت في شكوى رُفعت إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ، وكان كلٌّ من المتخاصمين يسعى ليبرء نفسه ويلقي التهمة على الآخر . لكن كان إلى جانب أحدهما رجل طليق اللِّسان حاول أن يخدع النبي الأكرم بإثارة عواطفه على المتهم البريء ، ليقضي على خلاف الحق ، فعند ذلك نزلت الآيات ورَفَعَتِ النِّقاب عن وجه الحقيقة ، وعُرِفَ المُحِقُّ من المُبْطِل (٢) .
والدقة في فقرات الآية الثانية ، يوقفنا على مدى صيانة النبي الأكرم وعصمته عن السهو والخطأ ، فإنّها مؤلفة من فقرات أربع كلٌّ منها يشير إلى أمر خاص .
١ ـ ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ) .
٢ ـ ( وَأَنزَلَ اللَّـهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) .
٣ ـ ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ) .
٤ ـ ( وَكَانَ فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) .
وإليك فيما يلي بيان ما تهدف إليه هذه الآيات وكيفية استنتاج العصمة منها .
الفقرة الأُولى تدلّ على أنّ نفس النبي بمجرّدها لا تصونه من الضلال ، أي من القضاء على خلاف الحق ، وإنّما الصائن له هو الله سبحانه ، فلَوْلا فضلُ الله
__________________
(١) سورة النساء : الآية ١١٣ .
(٢) راجع في الوقوف على مجموع ما نقل من أسباب النزول ، تفسير الطبري ، ج ٥ ، ص ١٦٩ .