فلما فرغ عتبة من كلامه ، قال رسول الله : « أقد فرغت يا أبا الوليد ؟ » .
قال : « نعم » .
قال : « فاسمع مني » .
قال : « أَفعل » .
فقال : ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ، وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ، وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ، فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * . . . ) (١) .
ثم مضى رسولُ الله فيها يقرأُها عليه ، و« عتبة » منصت لها ، ملقياً يديه خلف ظهره ، معتمداً عليهما ، مذهولاً ، إلى أن انتهى رسول الله إلى آية السجدة منها (٢) فسجد . .
ثم قال : « قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك » .
فقام عُتبة إلى أصحابه ، فقال بعضهم لبعض : « نحلف بالله ، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به » .
فلما جلس إليهم ، قالوا : « ما وراءك يا أبا الوليد » ؟ .
قال : « ورائي أنّي قد سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط . والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أَطيعوني واجعلوها بي ، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأٌ عظيم . فإنْ تصبه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم . وإن يظهر على العرب ، فملكه ملككم ، وعزّه عزّكم ، وكنتم أَسْعَدَ الناس به » . .
قالوا : « سَحَرَكَ والله يا أَبا الوليد بلسانه » .
__________________
(١) الآيات من أوائل سورة فصّلت .
(٢) سورة فصلت : الآية ٢٨ .