بها ، فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً ، فقالوا له : « يا طُفيل إنّك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أَظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرّق جماعتنا وشتت أمرنا ، وإنّما قوله كالسحر ، يفرّق بين الرجل وأبيه ، وبينه وأخيه وزوجته ، وإنّا نخشى عليك وعلى قومك ما دخل علينا ، فلا تكلّمِنَّه ، ولا تَسْمَعَنَّ منه شيئاً » .
يقول الطفيل : فو الله ما زالوا بي حتى أَجْمَعْتُ أن لا أسمع منه شيئاً ولا أُكلَّمه ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفاً ، فَرَقاً من أَنْ يَبْلُغني شيء من قوله ، وأنا لا أُريد أَنْ أَسمعه .
قال : فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله قائم يصلي عند الكعبة .
قال : فقمت منه قريباً فأبى الله إلّا أن يُسْمِعني بعض قوله فسمعت كلاماً حسناً ، فقلت في نفسي : « واثكل أُمّي ، والله إنّي لرجل لبيب ، شاعر ، ما يخفى عَلَيّ الحَسَن من القبيح ، فما يمنعني أن أَسمع من هذا الرجل . فإن كان الذي يأتي به حسناً قَبِلته وإن كان قبيحاً تَرَكْتُه . فمكثت حتى انصرف رسول الله إلى بيته ، فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته ، دخلت عليه ، فقلت :
« يا محمد إنّ قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوّفونني أمرك حتى سددت أُذُنَيَّ بكُرسف ، لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلّا أن يسمعني قولك ، فسمعته قولاً حسناً ، فاعرض عَلَيَّ أمرك » .
قال : فعرض عَلَيَّ رسول الله صلى الله عليه وآله الإسلام وتلا عَلَيَّ القرآن . فلا والله ما سمعت قولاً قطّ أحسن منه ، ولا أمراً أعدل منه .
قال : فأسلمت وشهدت شهادة الحق (١) .
وممّا نقل في هذا المجال أنّ الأعشى ، أحد شعراء العرب ، الطائر الصيت ، بلغ إليه الإسلام ، فخرج يريده ، فمدح النبي بقصيدة أدرج فيها كثيراً من تعاليم الإسلام ، مستهلها .
__________________
(١) السيرة النبوية ، لابن هشام ، ج ١ ، ص ٣٨٢ ـ ٣٨٣ .