خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (١) .
إنّ في هذه السورة من أنواع البلاغة ما يَبْهَرُ العقول ، وفي الدراسة التالية نشير إلى بعض منها .
( وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ) .
الواو في الموضعين للقسم . والضحى ، والليل حال السجي ، هو المقسم به . وقوله سبحانه فيما يأتي : ( مَا وَدَّعَكَ ) هو المقسم له ، بمعنى جواب القسم .
وقد ورد في القرآن الكريم ، ثمان وثلاثون قَسَماً ، أفردها إبن القيم بالتصنيف في كتاب أسماه « التبيان في أسماء القرآن » . وقد وقع القَسَم فيها على أشياء مختلفة كالملائكة والنبي الأكرم والقرآن والقيامة ، والنفس الإنسانية ، والقلم ، والكتاب والشمس ، وضوئها ، والليل وغير ذلك . واهتمّ المفسّرون ببيان سرّ القسم بهذه الأُمور ، ولكنهم غفلوا عن مهمة أُخرى في هذه الأقسام ، وهي المناسبة بين المُقْسَم به والمُقْسَم له ، أي بيان الصلة بين الشيء الذي وقع الحلف عليه ، كالنَّهار والليل ، وما رتب عليه من الجواب . وهذا من الأُمور المهمة التي إذا كشفها المُفَسِّر ، لأدرك أنّ تخصيص شيء معين بالقَسَم في هذا المجال دون غيره ، ليس إلّا لرابطة بينه وبين جوابه ، وليس هو أمراً إعتباطياً فاقداً للمناسبة . وإليك البيان في المقام .
إنّ المُقْسَم به في آيتي « والضحى » ، صورة مادية ، وواقع حسّي يشهد به الناس تألّق الضوء في صحوة النهار ، ثم يشهدون من بعده فتور الليل إذا سجى وَسَكَن ، يشهدون الحالين معاً في اليوم الواحد دون أن يختل نظام الكون أو يكون في توارد الحالين عليه ما يبعث على إنكار . بل دون أن يخطر على بال أحد ، أنّ
__________________
(١) سورة « والضحى » ، وآياتها ١١ .