٢ ـ وخطب المأمون الحارثي في قومه ، فقال : « أرعوني أسماعكم ، وأصغوا إليَّ قلوبكم ، يبلغ الوعظ منكم حيث أريد ؛ طمح بالأهواء الأشر ، وران على القلوب الكدر ، وطخطخ (١) الجهل النظر ، إنّ فيما ترى لَمُعْتَبَراً لمن اعتبر ، ارض موضوعه وسماء مرفوعة ، وشمس تَطْلُعُ وَتَغْرُب ، ونجوم تسرى فَتَعْزُب ، وقمر تطلعه النور ، وتَمْحَقُه أدبار الشهور (٢) .
ويرى هذا الأسلوب في خطب النبي وعليّ عليهما السلام في مواقف مختلفة .
والأسلوب الشعري ، هو الأسلوب المعروف المبني على البحور المعروفة في العَروض .
وأمّا أسلوب السجع المتكلف ، فقد كان يتداوله الكهنة والعرّافون ، كما تراه في قول ربيع الذئبي الشهير بسطيح لابن اخته عبد المسيح حول علامات ظهور النبي العربي : « يسيح عبد المسيح ، على جمل مشيح ، أقبل إلى سطيح ، وقد أوفى على الضريح ، بعثك ملك بني ساسان ، لارتجاج الإيوان ، وخمود النيران ، ورؤيا المؤبذان ، رأى إبلا صعابا ، تقود خيلا عراباً ، حتى اقتحمت الواد ، وانتشرت في البلاد » (٣) .
ولكن القرآن جاء بصورة من صور الكلام على وجه لم تعرفه العرب ، وخالف بأسلوبه العجيب وسبكه الغريب ، جميع الأساليب الدارجة بينهم ، ومناهج نظمهم ونثرهم .
ولأجل ذلك لم تتعامل معه العرب معاملة شعر أو نثر ، بل أنصف المنصفون منهم بأنّه وحيد نسجه في أسلوبه وسبكه .
__________________
= ص ١٦٨ . الأغاني ، ج ١٤ ، ص ٤٠ . العَقْد الفريد ج ٢ ، ص ١٥٦ . ومجمع الأمثال للميداني ، ج ١ ، ص ٧٤ .
(١) أي غلب .
(٢) الأمالي ، لأبي علي القالي ، ج ١ ، ص ٢٧٦ .
(٣) تاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ١٣٢ . والعقد الفريد ، ج ١ ، ص ١٠٨ . والسيرة الحلبية ، ج ١ ، ص ٧٠ . والمختصر في أخبار البشر ، لأبي الفداء ، ج ١ ، ص ١١٠ .