ومما يوضح قصور العلم البشري في العلوم الالهية ، أن هناك الملايين من البشر يقطنون بلدان جنوب شرق آسيا على مستوى راق في الصناعات والعلوم الطبيعية ، إلى حد أوقعوا العالم في اسارة استهلاك مصنوعاتهم ، ومع ذلك فهم في الدرجة السفلى في المعارف الالهية . فجلّهم ـ إن لم يكن كلّهم ـ عبّاد الأصنام والأوثان ، وأُسراء الأحجار والاخشاب .
وقد بلغ الحد في بلاد اليابان أن جعلوا لكل حادثة ربّاً ، حتى أن هناك رباً باسم « رب الزواج » ، يتوسل إليه البنات الذين تأخروا في الزواج ، ليؤمن لهم الأزواج المناسبين .
وببابك بلاد الهند الشاسعة ، وما يعتقده مئات الملايين من أهلها من قداسةٍ وتألهٍ في « البقر » . وليست بعيدة عنّا أيام أصاب الجوع تلك البلاد ، وأصدر المجلس العام إجازة بذبح قسم من الأبقار لسدّ الجوع ورفع الموت عن أبناء الشعب ، فقد ثارت ثائرة الجماهير إلى الحدّ الذي أجبر الحكومة على إلغاء القانون . فرضوا أن يموت الإنسان بجوعه ، ويعيش البقر بأطيب عيشه ، يأكل محاصيلهم ويتلف ممتلكاتهم .
فإذا كان هذا هو حال المعارف الإلهية في عصر الفضاء والذرة ، وبعد ما جاءت الرسل تترى لهداية البشر ، فما هو حالها في غابر القرون والأزمان ؟ ! . بل بأي صورة يا ترى كان وضعنا الآن لولا الهداية الإلهية عن طريق الرسل ؟ ! .
نعم ، هناك نوابغ في التاريخ عرفوا الحق وتعرفوا عليه عن طريق التفكير والتعقل ، كسقراط وأفلاطون وأرسطو . ولكنهم أُناس استثنائيون ، لا يعدون معياراً في البحث ، ولا ميزاناً في نفي لزوم البعثة . وكونهم عارفين بالتوحيد ، لا يكون دليلاً على مقدرة الآخرين عليه . على أنه من المحتمل جدا أن يكون
__________________
= لا أعلم كنسبة هذا الدرج إلى مكتبتي . ولو أنصف لقال : أقلّ من هذه النسبة ، لما ذكرناه من جهل الإنسان حقائق القوى التي يكتشف معادلاتها . لاحظ مجلة رسالة الإسلام ، الصادرة عن دار التقريب بالقاهرة ، العدد الأول ، السنة الرابعة ، ص ٢٤ ، تنحت مقاله بعنوان ما نعلم وما لا نعلم للدكتور أحمد أمين .