٤ ـ وقال الشيخ المفيد في جهة إعجاز القرآن : « إنّ جهة ذلك هو الصرف من الله تعالى لأهل الفصاحة واللسان عن معارضة النبي صلى الله عليه وآله بمثله في النظام عند تحدّيه لهم ، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله ـ وإن كان في مقدورهم ـ دليلاً على نبوته . واللُّطف من الله تعالى مستمر في الصرف عنه إلى آخر الزمان . وهذا أوضح برهان في الإعجاز ، وأعجب بيان . وهو مذهب النظّام ، وخالف فيه جمهور أهل الإعتزال » (١) . هذا .
وقد نقل القُطب الراوندي ( م ٥٧٣ ) في كتاب « الخرائج » ، قولاً آخر للشيخ المفيد ، ولا نعلم أَيّاً من الرأيين هو المتقدم . قال في بيان وجوه إعجاز القرآن : « ما ذهب إليه الشيخ المفيد ، وهو أنّه إنّما كان معجزاً من حيث اختصّ برتبة في الفصاحة خارقة للعادة ، قال : لأنّ مراتب الفصاحة إنّما تتفاوت بحسب العلوم التي يفعلها الله في العباد ، فلا يمتنع أن يجري الله العادة بقدر من المعلوم ، فيقع التمكين بها من مراتب في الفصاحة محصورة متناهية ، ويكون ما زاد على ذلك غير معتادة ، معجزاً خارقاً للعادة » (٢) .
٥ ـ وقال السيد المرتضى : « إنّ الله تعالى سلب العرب العلوم التي كانت تتأتّى منهم بها الفصاحة التي هي مثل القرآن متى راموا المعارضة ، ولو لم يسلبهم ذلك لكان يتأتى منهم » (٣) .
٦ ـ قال الشيخ تقي الدين أبي الصلاح الحلبي ( ت ٣٧٤ ـ م ٤٤٧ ) بعد استعراضه الوجوه المحتملة لإعجاز القرآن : « وإذا بطلت سائر الوجوه ، ثبت أنّ جهة الإعجاز كونهم مصروفين » . ثم قال : « معنى الصرف هو نفي العلوم بأضدادها أو قطع إيجادها في حال تعاطي المعارضة التي لولا انتفاؤها لصحّت المعارضة ، وهذا الضرب مختصّ بالفصاحة والنّظم معاً ، لأنّ التحدي واقع بهما ، وعن الجمع بينهما كان الصَّرف » (٤) .
__________________
(١) أوائل المقالات ، ص ٣١ .
(٢) البحار ، ج ٩٢ ، ص ١٢٧ .
(٣) الإقتصاد ، ص ١٧٢ .
(٤) تقريب المعارف ، ص ١٠٧ ، ط ١٤٠٤ هـ .