« المراد أنّه لئِن اجتمعت الجن والإنس متعاونين متعاضدين ، على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته ونظمه على الوجوه التي هو عليها من كونه في الطبقة العُليا من البلاغة ، والدرجة القُصوى من حسن النظم ، وجودة المعاني وتهذيب العبارة ، والخلو من التناقض ، واللفظ المسخوط ، والمعنى المدخول على حدّ يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت ، لعجزوا عن ذلك ، ولم يأتوا بمثله ، ( وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ، أي معيناً على ذلك مثلما يتعاون الشعراء على بيت شعر » (١) .
وقال العلامة الحلّي في كشف المراد : « أمّا إعجاز القرآن ، فقد تحدّى به فصحاء العرب بقوله تعالى : ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ) ، ( فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ) ، ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) . والتحدي مع امتناعهم عن الإتيان بمثله ، مع توفّر الدواعي عليه ، إظهاراً لفضلهم ، وإبطالاً لدعواه ، وسلامة من القتل ، يدلّ على عجزهم وعدم قدرتهم على المعارضة » (٢) .
وعلى أيّ حال ، فإنّ القائلين بالصرفة ، وإن كانوا من أعلام العلماء ، لكن الحق لا يعرف بالرجال ، وإنّما يعرف بسلامة الإستدلال ، وقد خَفَّت هذه النظرية في ميزان النَّصَفة والبرهنة ، والحق أنّها ليست بنظرية قيّمة قابلة للإعتماد ، وخلافاً صالحاً للإحتجاج .
وليس كلُّ خلاف جاءَ معتبراً |
إلّا خلافٌ له حظٌّ من النَّظَر |
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٤٣٨ .
(٢) كشف المراد ، ص ٢٢١ ، ط صيدا وممن أفاض الكلام في وجوه إعجاز القرآن ، ولم يعتمد على مذهب الصَّرْفة ، السيد عبد الله شُبّر في كتابه حق اليقين في أصول الدين ( ج ١ ، ص ١٥٠ ـ ١٥٤ ) .
وأما المقاربين لعصرنا فممن كتبوا فيه ، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه الدين والإسلام ( لاحظ كلامه في مجلة رسالة الإسلام ، العدد الثالث من السنة الثالثة ، ص ٢٩٨ ) والعلامة الكبير السيد هِبَة الدين الشهرستاني ( المعجزة الخالدة ، ص ٣٢ ـ ٤٣ ) ، والزرقاني في مناهل العرفاء ( ج ٢ ، ص ٣١٠ ) .