وعلى كل تقدير ، كان العدو يتهم النبي بأنّه أخذ ما جاء به ، من الكتب السماوية الماضية .
فعلى ذلك ، من الجدير أن نقارن بين القرآن ، وسائر الكتب السماوية المتقدمة عليه ، حتى يتّضح مدى الإختلاف بينهما . وهذه المقارنة من أحدث المناهج التطبيقية التي تفيد علماً بأنّ النبي الأكرم لم يعتمد فيما جاء به على هذه الكتب . ولنركز على ما جاء به العهدان في مجال الأنبياء ، فنذكر ما جاء به القرآن أوّلاً ، ثم نتبعه بما جاء فيهما .
وقبل الخوض في المقصود نذكر بأمرين :
الأول ـ إنّ الذكر الحكيم يعترف بعظمة التوراة وحجيتها ، وأنّها كتاب سماوي مثل القرآن ، وأنّه يجب على كل مسلم أن لا يُفَرِّق بين نبيٍّ وآخر ، ولا يفرق بين كتبهم ، يقول سبحانه : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ، وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (١) .
إنّ القرآن يصف التوراة في آياته ، بقوله :
( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ) (٢) .
( وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّـهِ ) (٣) .
كما يصف الإنجيل بقول : ( وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ ، فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ) (٤) .
ويصفهما معاً ، بقوله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ، وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ ، لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) (٥) .
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٨٥ .
(٢) سورة المائدة : الآية ٤٤ .
(٣) سورة المائدة : الآية ٤٣ .
(٤) سورة المائدة : الآية ٤٦ .
(٥) سورة المائدة : الآية ٦٦ .