وعلى ضوء ذلك ، فهذه الكتب السماوية كلّها نور وهداية ، غير أنّه في مواضع أخرى يندد بعلماء اليهود والنصارى متهماً إيّاهم بأنّهم حرّفوا كتبهم ودسُّوا فيها ما ليس من الله ، وكتموا آيات الله تبارك وتعالى .
يقول سبحانه : ( مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (١) .
ويقول : ( وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ) (٢) .
ويقول : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ، أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (٣) .
وفي ضوء هذه الآيات يقف الباحث على أنّ سهم الإعتراض في هذا المجال ليس متوجهاً إلى الكتب الصحيحة السماوية ، بل إلى المحرَّف منها ، الذي هو نتيجة تكالب الأحبار والرهبان على الدنيا ، وتغيير حكم الله طلباً لمرضاة الحُكّام ، وأصحاب الأموال .
وبما أنّ الموجود في زمن النبي ، والدارج عند نزول القرآن ، هو الكتب المحرَّفة لا الأصلية ، فالبحث المقارن يثبت ، أنّ النبي لم يعتمد على شيء من هذه الكتب ، فيما يسرد من القصص والأحكام ، أو ما يبيّن من المعارف والعقائد ، وإلّا يجب أن تظهر فيه سمات الأخذ والتقليد . ولا يصحّ لأحد أن يحتمل أنّ النبي اطّلع على الصحيح من هذه الكتب ، وذلك لأنّ الأُمة العربية كانت أُميّة ، غير واقفة على هذه الكتب ، ولا متدارسة لها ، وكانت إنّما توجد هذه الكتب عند الأحبار والرهبان ، وأولئك لم يكن في أيديهم إلّا ما تطرّق إليه التحريف والدسّ طيلة قرون .
الثاني : قد اخترنا في مجال المقارنة ، موضوع الأنبياء ، وذلك لأنّ هذا
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٤٦ .
(٢) سورة البقرة : الآية ٧٥ .
(٣) سورة البقرة : الآية ١٥٩ .