حاجة الإنسان إلى كل تشريع وتقنين ، سواء في مجال الأخلاق أو الإجتماع أو السياسة والإدارة ، أو الإقتصاد .
وإنّ نفس وجود تلك القوانين في جميع تلك الجوانب ، معجزة كبرى لا تقوم بها الطاقة البشرية ، واللجان الحقوقية ، خصوصاً مع اتّصافها بمرونة خاصة ، تجامع كل الحضارات والمجتمعات البدائية ، والصناعية المتطورة .
ثم إنّه تظهر عظمة ذلك التقنين إذا وقفنا على أنّ دعوة الإسلام بزغت بين أقوام متأخرين في المجالات الخلقية والثقافية ، ولم يكن لهم منها نصيب سوى الإغارة والنهب والقتل والتفاخر . ويشهد لذلك صفحات تاريخ الجزيرة العربية ، ولنكتف من ذلك بشاهد واحد يكشف لنا واقعية الحياة في ذلك العصر .
روى أهل السير والتاريخ أنّ رجلاً من « زبيد » قدم مكة ببضاعة ، فاشتراها منه العاص بن وائل ، فحبس عنه حقّه ، فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف : عبد الدار ، ومخزوماً ، وجمحاً ، وسهماً ، وعدي بن كعب ، فأبوا أن يعينوا على العاص بن وائل وانتهروه ، فلما رأى الزبيدي الشرّ ، أوفى على أبي قبيس عند طلوع الشمس ـ وقريش في أنديتهم حول الكعبة ـ فنادى بأعلى صوته :
يا آل فهر لمظلوم بضاعته |
ببطن مكة نائي الدار والنَّفَرِ |
|
ومُحْرم أشعث لم يَقْضِ عُمْرته |
يا للرجال وبين الحِجْر والحَجَرِ |
|
إنَّ الحرامَ لمن تَمَّتْ كرامتُه |
ولا حرام لثوبِ الفاجر الغَدِرِ |
فقام في ذلك الزبير بن عبد المطلب ، وقال : ما لهذا مترك .
فاجتمعت « هاشم » و « زهرة » و « تميم بن مرة » ، في دار « عبد الله بن جدعان » فصنع لهم طعاماً ، وتحالفوا في ذي القعدة الحرام ، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكوننّ يداً واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدَّى إليه حقُّه ، أبداً .
فسمَّت قريش ذلك الحلف ، حلف الفُضول ، وقالوا : « لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر » .
ثم مشوا إلى العاص بن وائل ،
فانتزعوا منه سلعة الزبيدي ، ودفعوها