إليه (١)
فهذه الحادثة تكشف عن أنّ المجتمع في الجزيرة العربية أو في قسم الحجاز ، كان خلواً من أي محكمة وقضاء ، ولم يكن سائداً فيها إلّا قوة الزور وشريعة الغاب ، فلما اتّحد هؤلاء للدفاع عن المظلوم ، اشتهر اسم ذلك الحلف ، وصار نجماً لامعاً بينهم ، وكأنّ شيئاً عجيباً قد حصل .
ففي مثل هذا المجتمع ظهر رجل ، وفي يده كتاب ، يدعو إلى الأخوّة الدينية أوّلاً ، وصيانة حقوق الإنسان في ظل العدالة في جميع المجالات ثانياً ، وأتى بتشريعات بعث بها النور والحياة في المجتمع . وهذا أوضح دليل على أنّ هذه الثمرة ليست ثمرة طبيعية للبيئة .
إذا عرفت ذلك فلنعد إلى تبيين سمات التشريع الإسلامي ، وذكر نزر يسير منها في بعض المجالات ، والمهم هو الوقوف على تلك السمات ، وهي :
١ ـ مرونة التشريعات الإسلامية ، وملاءمتها لجميع الحضارات الماضية والسائدة ، والآتية .
٢ ـ إنّ التشريعات القرآنية تعتمد قبل كل شيء على الفطرة الإنسانية التي لا تتغير في خضم التحوّلات والتبدّلات . فلا تجد تشريعاً قرآنياً يضاد الفطرة .
٣ ـ التشريع القرآني ينظر إلى الإنسان ، بما هو موجود مركب من جسم وروح ومادة ومعنى ، ولكل حاجته ورغبته ، فأباح اللذائذ الجسمانية في إطارٍ لا يمسّ كرامة الإنسان ، كما دعا إلى المثل الأخلاقية العليا ، فصار بذلك ديناً وسطاً ، لا يجنح إلى جانب خاص فينسى الجانب الآخر .
٤ ـ الملاك في التشريع القرآني هو السعادة الإنسانية ومصالح المجتمع ومفاسده ، فأرسى قوانينه على ذلك الأساس من دون جنوح إلى إرضاء عموم الناس وإشباع ميولهم ، لأنّ إرضاءهم ربما يكون مخالفاً لسعادتهم .
__________________
(١) البداية والنهاية ، لابن كثير ( م ٧٧٤ ) ، ج ٢ ، ص ٢٤١ ـ ٢٤٢ .