أما أولاً ، فلأنَّ شرط التربية ، الوقوف على رموز الخلقة ، والتعرف على خصوصيات من ترجى تربيته . وليس لهذه الشخصيات ، العلم المحيط بخصوصيات الإِنسان ، لا لقلة عملهم وضيق أَفكارهم ، بل لعظمة الانسان في روحه ومعنوياته ، وغرائزه وفطرياته ، وهو أشبه ببحر كبير لا يرى ساحله ، ولا يضاء محيطه . وقد خفيت كثير من جوانب حياته ورموز وجوده ، حتى لُقّب بـ « الموجود المجهول » . (١)
ويُصدَّق ضالة هذه المعرفة ، تزايدُ الفساد وارتفاع نسبته في أقطار العالم عبر نفس المناهج التربوية التي تصوّبها تلك الشخصيات المرموقة في عالم التربية .
وأما ثانياً ، فلأَن الحجر الأَساس لتأثير التربية ، أنْ يكون المربي إنساناً كاملاً وموجوداً مثالياً ، يتمتع بسمو الأخلاق والملكات ، فيجذب بها القلوب ، ويشد إليها النفوس .
ومن المعلوم أن واضعي المناهج التربوية في العالم ، وإن كانوا خبراء في مجال تخصُّصِّهم ، إلا أنّهم فاقدون لهذا الشرط الأساس . ألا ترى أَنَّهم يوصون ببسط العدل ، وحماية المستضعف ، وترك الخمر والقمار وو . . . ومع ذلك فهم مرتكبون لها ، واقعون فيها .
ولا يشذ عنهم إلا من كان مراعياً للدين متمسكاً بأهدابه ، ولكن الفضل حينئذ لا يعود إليه بل إِلى صاحب الشريعة الذي سَنَّ تلك البرامج والمناهج .
وأما ثالثاً ، فلأن المناهج التربوية لا تؤتي ثمارها إلا إذا كانت منتسبة إلى الخالق سبحانه ، فإنّ هذا يمنحها ضمان الإِجراء والتجسّد في المجتمع لارتباطها بعوامل التشويق إلى الثواب والتحذير من العقاب ، وإلا فلن تعدو مجموعة نصائح شخصية أو مدرسية ، ما أسرع ما تتهاوى أمام ضربات معاول الشهوة الثائرة .
__________________
(١) وقد ألف الفيلسوف الفرنسي الكسي كارل ، كتاباً خاصاً حول الإنسان وغرائزه وفطرياته ، أسماه « الإنسان ذلك الموجود المجهول » .