والدراية والتجربة قادرة على القيام بهذه المهمة ؟
أم أنّ المَرْجِعَيْن المتقدمين ـ مع تقدير عملهما والإعتراف بانتفاع الإنسان من هدايتهما في مسير حياته ـ قاصران عن القيام بهذه المهمة ، ولا بدّ من مرجع ثالث له الإحاطة الكاملة بالفطريات والغرائز البشرية وما يصلحها ويقوّمها ، وهم الأنبياء والرسل الإلهيون المعصومون من الخطأ والزلل ، والمؤيدة هدايتُهم بضمانات إجرائية قاهرة ؟ .
نحن نعتقد أن الأمر الثالث هو المتعين ، وأن المرجعين الأوَّلَيْن غيُر وافيين بمعالجة المشكلة .
أما العقل ، فمع الإِعتراف بأنه يضيء الطريق أمام الإِنسان ، ويأخذ بيده في المزلّات والمزالق ، إلا أنه قاصر عن مصارعة الغرائز المتفجرة وكبح ثورانها . فإن كلَّ إِنسان يعلم من نفسه أن غرائزه وميوله الشهوية إذا تفجرت ، لم تترك للعقل ضياء ولا للفكر نوراً ، بل كان مثل العقل حينذاك مثل الإِنسان المبصر إِذا وقع في مهب الرياح والزوابع الرملية ، فإنها تَكُفُّ بَصَرَه عن الرؤية وتُعَرْقِل مَسيرَهُ .
وفي تلك الحالات ، لا ينفك العقل عن خداع صاحبه وإراءة المحاسبات الكاذبة لتبرير عمله ، وإيجاد الذرائع لارتكابه ، بحيث لو كان هذا الإنسان في موقف عادي خالٍ عن ذلك الثوران في العواطف والغرائز لما اعتنى بشيء من تلك التسويلات ، ولذلك لا تجد مجرماً يقوم بجناية إلّا وهو يلقي لنفسه الأعذار والتبريرات حين إقدامه عليها .
وكثيراً ما يستسهل الإنسان في تلك الحالات ـ على فرض إلتفاته إلى خطورة وقبح ما يقوم به ـ يستسهل ما يترتب عليه من الذم واللوم والعقاب ، قضاءً لوَطره منه ، وإشباعاً لشهوته مما يناله من اللذائذ المادية .
وأما رجالات الأخلاق والإِجتماع ، فمع أنّ لهم دوراً في تهذيب النفوس ، ودفعها إلى الكمال ، وكبح جماح غرائزها على الإجمال ، إلا أَنّ عملهم لا يخلو عن نقائص ربما تَذْهَبُ بأعمالهم أدراج الرياح .