وخذ على ذلك مثالاً ، معرفة الله والميل إلى عوالم الغيبية ، فان لها جذوراً في عمق وجود الانسان ، ولم يزل كل انسان من صباه إلى كهولته ميّالا إلى تلك العوالم ، شغوفاً بحب الاطلاع عليها ، والخضوع لها .
ولكن هذا الميل إذا لم يقع في إطار الهداية والتوجيه الإلهي ، يسفّ بالإنسان إلى الحضيض ، ويصنع منه عابداً للحجر والخشب والعجماوات ، خاضعاً للشمس والقمر والنار . ألا ترى صانعي الآلات ومخترعي العقول الالكترونية كيف طفقوا يخضعون للأصنام والأبقار ؟ !
ولكنها إِذا كانت تحت ظل هداية إلهية ، تتجلى بمظهر التوحيد ، وأَنّ للعالم بأسره إلها واحداً أحداً عالماً ، قادراً ، محيطاً بكل شيء ، جامعاً لكل صفات الكمال والجمال .
إن الميول الطبيعية ، كالميل إلى الزواج والتسلط على المناصب والتكاثر في الأموال ، مما خُمّر عليه الإِنسان ، ولا بقاء لحياته إلا به ، ولو سلبت عنه لصار موجوداً مهملا خاملاً طالباً للموت وجانحاً إلى الفناء .
ولكن لو تركت هذه الغرائز ومجالها ، لآل الإنسان إلى حيوان ضار ، مدمر لكل شيء بغية تحصيل المال والإستبداد بالمناصب .
وأما لو كبح جماحها ، وعدّلت ميولها بهداية تحدد مجاريها وتُرشد صاحبها الى كيفية الإِستفادة منها ، لصار موجوداً عاقلاً متكاملاً سعيداً في حياته ، متآلفاً ومتآزراً مع سائر بني نوعه ، لبناء المجتمع الصالح .
وهكذا ، فقد عُلِم من هاتين المقدمتين أن وجود الفطريات والغرائز في الإنسان ، وحاجتها إلى الهداية والتعديل أمر لا ينكر ، وإنّما الكلام كلّه في تعيين من يقوم بهذه المهمة :
فهل المحاسبات العقلية كافية في حمل الإِنسان على هداية فطرياته وكبح جماح غرائزه عن الإِفراط والتفريط ؟
أم هل الشخصيات الممتازة
في عالم الإِجتماع ، الموصوفة بالعقل