الرَّاحِمِينَ ) (١) » (٢) .
والعجب أنّ الذين أحاطوا ببيته ليلة الهجرة ، وهمُّوا باغتياله ، وإراقة دمه ، كانت أموالهم بين يديه ، وأمانةً عنده ، فلأجل ذلك لما همّ بالخروج من البيت والهجرة إلى المدينة ، أمر عليّاً أن يقيم صارخاً ، يهتف بالأبطح ، غدوة وعشياً : « من كان له قِبَلَ محمدٍ أَمانة أو وديعة ، فليأت ، فَلْنُؤَدِّ إِليه أَمانته » ! .
فأقام عليٌّ بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى عن رسول الله صلى الله عليه وآله الودائع التي كانت عنده للناس (٣) .
ومن ظريف أخلاقه عفوه عن العدو الغادر ، الذي أراد قتله ، بمجرد التجائه إليه :
فقد نقل أصحاب المغازي أنّه في إحدى الغزوات ، ذهب النبي الأكرم لحاجته ، فأصابه المطر ، فبلّ ثوبه ، فنزعه صلى الله عليه وآله ونشره ليجف ، فألقاه على شجرة ، ثم اضطجع تحتها . فرآه العدو وحيداً بعيداً عن أصحابه ، فاختار أحدهم سيفاً صارماً ، ثم أقبل حتى قام على رأس النبي بالسيف المشهور ، فقال : « يا محمد ، من يمنعك مني اليوم ؟ » .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « الله » .
عندئذٍ وقع السيف من يده فأخذه الرسول الأكرم وقام به على رأسه فقال : « من يمنعك مني اليوم ؟ » .
قال : « لا أحد » . ثم قال : « فأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، والله لا أُكْثِرُ عليك جمعاً أبداً » .
فأعطاه رسول الله سيفه ، ثم أدبر الرجل ، ثم أقبل بوجهه ، فقال : « أما والله ، لأنت خير مني » .
__________________
(١) سورة يوسف : الآية ٩٢ .
(٢) بحار الأنوار ، ج ٢١ ، ص ١٣٢ ، وغيره من المصادر المتوفرة .
(٣) سيرة ابن هشام ، ج ١ ، ص ٤٩٣ . البحار ، ج ١٩ ، ص ٦٢ .