وأرسى أركان الإحسان والعدالة الإجتماعية ، وكافة أُصول الشخصية الإنسانية الفاضلة ، وحذّر من الفواحش والبغي والعدوان ، فقال : ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (١) .
وأين هذا من أقبح الممارسات الأخلاقية الرائجة ، ومفاهيم الثأر والعصبية والإنتقام المحقونة في نفوسهم ، والتي خلّفت حروباً طاحنة ، بين القبائل العربية ، منها حرب الأوْس والخَزْرَج التي دامت قرابة مائة وعشرين سنة .
يقول ابن خلدون : « العرب الجاهليون ، بطبيعة التوحش الذي فيهم ، أهل انتهاب وعيث ، ينتهبون ما قدروا عليه ، وكان ذلك عندهم ملذوذاً . فطبيعتهم إنتهاب ما في أيدي الناس ، وأنّ رزقهم في ظلال رماحهم ، وليس عندهم في أخذ أموال الناس حدٌّ ينتهون إليه ، بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون ، إنتهبوه » (٢) .
وفي الحقل الإقتصادي ، جاء بأُصول ومفاهيم بنى عليها بنياناً محكماً من التشريعات الإقتصادية ، في مختلف أبواب المعاملات .
فمن ذلك أنّه نادى بحرمة الرِّبا الذي كان الشغل الشاغل في الجزيرة العربية ، حتى أنّ ثقيف طائف لما أسلموا طلبوا من الرَّسول أنْ يكتب لهم كتاباً يحلّ لهم فيه الربا والزّنا ، فلما جاء مبعوثهم بكتابهم قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : « إِقرأ » . فلما انتهى إلى الربا ، قال : ضع يدي عليها في الكتاب ، فوضع يده ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) (٣) ثم محاها . فلما بلغ القاريء ، الزنا ، وضع يده عليها ، وقال : ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) (٤) ثم محاها (٥) .
__________________
(١) سورة النحل : الآية ٩٠ .
(٢) مقدمة إبن خلدون ، ص ١٤٩ .
(٣) سورة البقرة : الآية ٢٧٨ .
(٤) سورة الإسراء : الآية ٣٢ .
(٥) أُسد الغابة ، ج ١ ، ص ٢١٦ في ترجمة تميم بن جراشة الثقفي . والسيرة النبوية لابن هشام . ج ١ ، ص ٥٤٠ ، وبينهما اختلاف .