على عموم رسالته ، لكل من بلغته ، فإنّه يقول : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) (١) .
وأمّا حلاً ، فَعَيْنُ ما تَقَدَّم في سابقه ، من أنّ طبيعة الدعوة ، ربما تقتضي توجيه الكلام إلى طائفة خاصة ، وإن كانت الدعوة عالميةً .
شبهة ثالثة ـ وربما يستدلّ بقوله سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ، فَيُضِلُّ اللَّـهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (٢) ، على تحديد رسالته ، بتوهّم أنّ معنى الآية أنّ كل رسولٍ يوافق لسانُه لسانَ من أُرسل إليهم .
وأنت خبيرٌ بأنّه تفسير خاطيءٌ ، فمعنى الآية هو موافقةُ لغةِ الرسول لسانَ قومه ، لا اتحاد لغته مع لسان كل من أُرسل إليهم ، فمن الممكن أن يكون المرسل إليهم أوسع من قوم الرسول ، فهذا إبراهيم دعا عرب الحجاز إلى الحج وهو ليس منهم . وهذا الكليم دعا فرعون إلى الإيمان ، وهو عبري والمُرسَل إليه قِبْطِيٌ .
شبهة رابعة ـ وربما يستدل أيضاً ، بقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ ، مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (٣) ، على تحديد رسالته .
وحاصل الإستدلال هو أنّ المتبادر من الآية هو نجاة أصحاب الشرائع السابقة حتى بعد بعثة الرسول الأكرم ، إذا كانوا مؤمنين بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً . فهذه الآية تعطي الضوء الأخضر لنجاة اليهود والنصارى والصابئين إذا كانوا ملتزمين بهذه الشروط ، وإن لم يعتنقوا رسالة الرسول الأعظم ، أو لم يعملوا بأحكامه وتشريعاته . وهذا لا يجتمع مع القول بأنّ رسالته عالمية يجب على كلّ الناس اعتناقها .
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ١٩ .
(٢) سورة إبراهيم : الآية ٤ .
(٣) سورة البقرة : الآية ٦٢ . ولاحظ المائدة : الآية ٦٩ .