مِنَ الْحَقِّ ، لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ، وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ، وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . . ) (١) .
المهيمن هو الرَّقيب (٢) ، فكتاب النبي الأكرم مهيمن على جميع الكتب النازلة من قبل وهو ( مهيمناً عليه ) متمم لقوله : ( مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ) . تتميم إيضاح ، إذ لولاه لأمكن أن يتوهم من تصديق القرآن للتوراة والإنجيل أنّه يصدِّق ما فيهما من الشرائع والأحكام ، تصديق إبقاء ، من غير تغيير وتبديل ، لكن توصيفه بالهيمنة يبين أنّ تصديقه لهما بمعنى تصديق أنّها شرائع حقّة من عند الله ، وأنّ لله أن يتصرف فيها ما يشاء بالنسخ والإكمال ، كما يشير إليه قوله ـ في ذيل الآية ـ : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) .
٢ ـ قال سبحانه : ( أَفَغَيْرَ اللَّـهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ، وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ، فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٣) .
وقوله : ( وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ . . . ) ، يدلّ على إيصاد باب الوحي ، وانقطاعه إلى يوم القيامة ، وتمامية الشرائع النازلة من الله سبحانه ، طوال قرون ، إلى سفرائه .
والمراد من الكلمة ، الشرائع الإلهية ، كما في قوله : ( وصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِه ) (٤) ، ومعنى الآية : تمّت الشرائع السماوية بظهور الدعوة المحمدية ، ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب ، وصارت مستقرة في محلها ، بعدما
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ٤٨ .
(٢) فعيل بمعنى فاعل ، أي مراقب .
(٣) سورة الأنعام : الآيتان ١١٤ و ١١٥ .
(٤) سورة التحريم : الآية ١٢ .